عشرين ألفاً سيوفهم على عواتقهم ، وقد اسودت جباههم من السجود ، يتقدمهم مسعر بن فدكي ، وزيد بن حصين ، وعصابة من القرّاء ، الذين صاروا خوارج من بعد ، فنادوه باسمه ، لا بإمرة المؤمنين : يا علي ، أجب القوم إلى كتاب الله ، إذ دعيت إليه ، وإلّا قتلناك كما قتلنا ابن عفان ، فوَ الله لنفعلنَّها إن لم تجبهم (١).
وعاد الإمام علي عليهالسلام : إلى نصحهم ، فقال : «أنا أول من دعا إلى كتاب الله ، وأول من أجاب إليه ، وليس يحل لي ، ولا يسعني في ديني أن أدعى إلى كتاب الله ، فلا أقبله ، إنّي إنَّما أقاتلهم ليدينوا بحكم القرآن ، فإنَّهم قد عصوا الله فيما أمرهم ، ونقضوا عهده ، ونبذوا كتابه ، ولكني قد أعلمتكم إنَّهم قد كادوكم ، وإنَّهم ليسوا العمل بالقرآن يريدون (٢)».
لقد نصح الإمام علي عليهالسلام القوم ، وبيَّن لهم وجه الحق ، وأوضح حقيقة ما يجري بجلاء ، وألفت نظر الجميع إلى الواقع ، إذ لم يبق ما يغيب عن الأذهان ، بعد أن أبان لهم وجه الحيلة في رفع المصاحف ، وكشف قناع الزيف الذي تستر به كل من معاوية ، وابن العاص ، ولكن القوم أعماهم الغي ، وأصمهم ، فلم يعوا ما أوضحه لهم ، ولم يسترشدوا بما أرشدهم إليه ، واندفعوا مستجيبين لدعوة الباطل.
وبينما كان مالك الأشتر يقاتل في معسكر أهل الشام ، وقد قارب النصر ، اجتمعوا على الإمام علي عليهالسلام ، فأكرهوه بالتهديد والوعيد على إرجاعه ، ومنعه من القتال ، ثم تطورت الأمور ، فأفلت زمامها من يده عليهالسلام ، واجتمع قرّاء المصرين ـ العراق ، والشام ـ بين الصفين ، واتفقوا فيما بينهم ، فأعلنوا أن يحيوا ما أحيا القرآن ، ويميتوا ما أمات القرآن ، ولكن الفريقان أماتا ما أحيا القرآن ، وأحييا ما أمات
__________________
(١) وقعة صفين ٤٨٩.
(٢) وقعة صفين ٤٨٩.