حظره عليك (١).
بعد أن أكره القوم الإمام علياً عليهالسلام على الموادعة ، وقبول التحكيم ، وعلى اختيار أبي موسى حكماً عنه ، اتفق الطرفان على الهدنة ، وكتبا بينهما عهداً أشهدا فيه جمعاً من وجهاء الجيشين المتحاربين ، ورؤسائهم ، ثم أخذ الأشعث عهد الهدنة بعد إبرامه ، فقرأه على الجيشين.
وبعد أن عزم جيش العراق على العودة ، أدركوا أنَّهم كانوا على خطأ في قبول التحكيم ، والإنصراف عن القتال ، لأنَّ الحجة لهم ، وأنَّ عدوَّهم باغْ ماكر ، لا حجة له ، ولا دين ، فندموا على ما اقترفوه من مخالفة الإمام عليهالسلام ، ولكنهم إذ وعَوا ذلك وعرفوه ، لم يحسنوا التصرف ، بل تصرفوا بأسوأ مما اقترفوه من قبل ، وأخذوا ينادون : (لا حكم إلّا لله ، الحكم لله ـ يا علي ـ لا لك ، لا نرضى بأن يحكم الرجال في دين الله ، إنَّ الله قد أمضى حكمه في معاوية وأصحابه أن يُقتلوا ، أو يدخلوا تحت حكمنا عليهم ، وقد كانت منّا زلة ، حين رضينا بالحكَمَين ، فرجعنا ، وتبنا ، فارجع أنت يا علي كما رجعنا ، وتب إلى الله كما تبنا ، وإلّا برئنا منك (٢)). بهذا المنطق الزائف واجهوا الإمام علياً عليهالسلام ، يطلبون منه أن يتوب من ذنب هم اقترفوه ، إذ لم يسمعوا نصح إمامهم عندما نهاهم عنه ، وأسدى لهم النصح ، ولم يكتفوا بذلك ، بل طلبوا منه نقض العهد الذي أكرهوه على إبرامه ، وفي ذلك مخالفة للكتاب العزيز ، والسنة النبوية الشريفة ، ونقض العهد من كبائر الذنوب ، فما الذي يُنتظر من إمام المتقين عليهالسلام إلّا أن رد عليهم قائلاً : «ويحكم! أبعد الرضا ، والميثاق ، والعهد ،
__________________
(١) لسان العرب.
(٢) وقعة صفين ٥١٣.