الدين في المجتمعات البشرية بصورة سريعة وكانت لذلك أسباب وعلل ؛ منها : يسر التكاليف وسهولة الشريعة ؛ فلو كان الإسلام خاضعاً لهذا النوع من التزمّت ولما يتغنّاه ابن الحاج (١) من سمادير الأهازيج في كتابه المدخل ، لقرئ السلام على الإسلام من أوّل يومه ، فهذا الرجل أخذ يحدث ألواناً من شتى الأباطيل ويفتريها ويسمّيها بدعة مع أنّها لا تمتّ لها بصلة ، بل تدور بين كونها إمّا أُموراً عادية خارجة عن موضوع البدعة بتاتاً ، وإمّا أُموراً شرعية لها دليلها العام وإن لم يكن لها دليل خاص ، وسيوافيك توضيح القسم الأخير في الفصل القادم.
يقول ابن الحاجّ :
١ ـ المراوح في المساجد من البدع وقد منعها علماؤنا رحمة الله عليهم ؛ إذ أنّ اتّخاذها في المساجد بدعة (٢).
٢ ـ إنّ فرش البسط والسجادات قبل مجيء أصحابها من البدع المحدثة وينبغي لإمام المسجد أن ينهى الناس عمّا أحدثوه من إرسال البسط والسجادات وغيرها قبل أن يأتي أصحابها(٣).
٣ ـ إلى أن جاء ابن الحاج يحدّد ثمن اللباس الذي يجوز لبسه ويقول : أثمان أثوابهم القمص من الخمس إلى العشر وما بينهما من الأثمان ، وكان جمهور العلماء وخيار التابعين قيمة ثيابهم ما بين العشرين والثلاثين ، وكان بعض العلماء يكره أن يكون على الرجل من الثياب ما يجاوز قيمته أربعين درهماً وبعضهم إلى المائة ويعدّه إسرافاً فيما جاوزها ، وعلى ذلك فهو من البدع الحادثة بعدهم (٤).
__________________
(١) المدخل : أبو عبد الله العبدريّ المالكي المتوفى سنة ٧٣٧ ومع ذلك له كلمة قيّمة في زيارة القبور ، لاحظ ١ : ٢٥٤.
(٢) و (٣) المدخل ٢ : ٢١٢ ، ٢٢٤.
(٤) المدخل ٢ : ٢٣٨.