لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (١) وكلامه يخالف الكتاب والسنّة ؛ فإنّ التشريع حقّ الله سبحانه لم يفوّضه لأحد ، والنبيّ الأكرم مبلّغ عنه.
أضف إلى ذلك لو أنّ الخليفة قد تلقّى ضوءاً أخضرَ في مجال التشريع والتسنين ، فلم لا يكون لسائر الصحابة ذلك ، مع كون بعضهم أقرأ منه ، كأُبي بن كعب ، وأفرض ؛ كزيد بن ثابت ، وأعلم وأقضى منه ؛ كعليّ بن أبي طالب عليهالسلام؟! فلو كان للجميع ذلك لانتشر الفساد وعمّت الفوضى أمر الدين ، وكان أُلعوبة بأيدي غير المعصومين.
وأمّا التمسّك بالحديثين ، فلو صحّ سندهما ؛ فانّهما لا يهدفان إلى أنّ لهما حقّ التشريع ، بل يفيدان لزوم الاقتداء بهما ؛ لأنّهما يعتمدان على سنّة النبيّ الأكرم ، لا أنّ لهما حقّ التسنين.
نعم يظهر ممّا رواه السيوطي عن عمر بن عبد العزيز أنّه كان يعتقد أنّ للخلفاء حقّ التسنين ، قال : قال حاجب بن خليفة : شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب وهو خليفة ، فقال في خطبته : ألا إنّ ما سنّ رسول الله وصاحباه فهو دين نأخذ به ، وننتهي إليه ، وما سنّ سواهما فإنّا نرجئه (٢).
وعلى كلّ تقدير نحن لسنا بمؤمنين بأنّه سبحانه فوّض أمر دينه في التشريع والتقنين إلى غير الوحي ، وفي ذلك يقول الشوكاني : والحقّ أنّ قول الصحابي ليس بحجّة ؛ فانّ الله سبحانه لم يبعث إلى هذه الأُمّة إلّا نبيّنا محمداً صلىاللهعليهوآله وليس لنا إلّا رسول واحد وكتاب واحد ، وجميع الأُمّة مأمورة باتّباع كتابه وسنّة نبيّه ، ولا فرق بين الصحابة ومن بعدهم في ذلك ، فكلّهم مكلّفون بالتكاليف الشرعية وباتّباع
__________________
(١) المائدة : ٣.
(٢) أبو زهرة ، تاريخ المذاهب الإسلامية ، كما في بحوث أهل السنّة : ص ٢٣٥.