مشاهير المفسّرين ، وكلمة (فِطْرَتَ اللهِ) الّتي نصبت على الاختصاص تفسير للدين ، فالدين ـ بتمام معنى الكلمة ـ يوافق فطرة الإنسان ، بالمعنى الّذي عرفت ، أي أنّ أُصوله وكلّياته تنسجم مع الفطرة وليست الآية وحيدة في بابها ، بل لها نظائر في الذكر الحكيم تؤكّد مضمونها ، وتثبت بوضوح كون معرفة المحاسن والمساوئ والفجور والتقوى والميل إلى الفضائل ، والانزجار عن الرذائل أمراً فطرياً إلى حدّ يقول سبحانه : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها* فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (١) وفي آية أُخرى : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ* وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ* وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (٢).
فالإنسان الطبيعي الّذي لم يتأثّر بالمناهج البشرية ، يدرك المحاسن والمساوئ ، والفجور والتقوى والخير والشرّ ، كرامة من الله سبحانه إليه.
ومن روائع الكلم ما روي عن الإمام عليّ عليهالسلام حول تحديد دعوة الأنبياء وأنّ دورهم في مجال التربية تذكيرهم بمقتضيات الفطرة ، يقول عليهالسلام :
«فبعثَ الله فيهم رُسُلَه ، وواتَرَ إليهم أنبياءه ؛ لِيستَأدوهم ميثاقَ فطرته ، ويُذكِّروهم منسيَّ نعمتِه ، ويحتجّوا عليهم بالتبليغ ، ويُثيروا لهم دفائنَ العقول» (٣).
فالشرائع السماوية كأنّها تستنطِق الفطرة ، وتُذكِّر بالنعمة المنسية بفعل الأهواء والدعايات الباطلة ، وقد أُمر حملتها بإثارة ما دفن في فطرة الإنسان من جواهر المعقولات في مجالي العقيدة والشريعة.
وعلى ذلك فالشريعة ـ وفقَ الفطرة ـ مصباح ينير الدرب لكلّ ساع في طلب الحقّ. وكلّ فكرة أو ميل ، توحي إليهما الفطرة فهو آية كونه حقّاً ، وكلّ فكرة أو
__________________
(١) الشمس : ٧ ـ ٨.
(٢) البلد : ٨ ـ ١٠.
(٣) نهج البلاغة : الخطبة ١.