وهذه الأُمور الّتي كتب الله لهم بها أجراً ، وسيلة للجهاد ، ومقدمة للقتال ، وهذا يكشف عن التلازم بين الاستحبابين ، أو الثوابين.
نعم ، ذهب بعض الأُصوليين إلى عدم الملازمة ، ولكنّهم متّفقون على لزوم كون المقدمة مباحة لا محرّمة ؛ لاستلزامه التناقض في التشريع ؛ حيث لا يعقل البعث إلى أمر ، مع المنع عمّا يوصل المكلّف إليه ، وعلى كلّ تقدير لا يصحّ تحريم السفر مع افتراض كون الزيارة أمراً راجحاً ، وفعلاً مستحبّاً ، فلا محيص عن القول باستحبابه ، أو إباحته. ولا تجتمع حرمة المقدمة مع استحباب ذيها.
نعم ، هنا فرق بين زيارة قبر النبيّ ، وزيارة قبور المسلمين ؛ فإنّ الأوّل مستحبّ بالخصوص ، بخلاف الآخرين ؛ فإنّها مسنونة على وجه العموم ؛ فلو زار إنسان قبر أبيه أو أخيه ، فإنّما يزورهما بما أنّ زيارتهما داخلة تحت عموم قوله صلىاللهعليهوآله : «فزوروا القبور ؛ فإنّ زيارتها تذكّركم الآخرة» ، وهذا بخلاف زيارة الرسول ، فإنّها ـ مضافاً إلى أنّها داخلة تحت العموم ـ مستحبّة في نفسها.
وقد جرت سيرة المسلمين من عصر الصحابة إلى يومنا هذا على شدِّ الرحال إلى زيارة النبيّ الأكرم وعدّوا زيارتها قربة ، والسفر إليها مثلها ، ولم ينكر أحد قربيّة الزيارة ولا جواز السفر إلّا ابن تيمية في أوائل القرن الثامن لشبهة طرأت له ، وسنتعرض لها في فصل مستقل.
ولأجل إيقاف القارئ على اتصال السيرة إلى عصر الصحابة نذكر بعض ما يدلّ عليه:
١ ـ روى ابن عساكر بإسناده عن أبي الدرداء قال : لمّا فرغ عمر بن الخطاب رضى الله عنه عن فتح بيت المقدس فصار إلى الجابية سأله بلال أن يقرَّه بالشام ففعل ذلك ـ إلى أن قال ـ : ثمّ إنّ بلالاً رأى في منامه رسول الله وهو يقول : ما هذه الجفوة يا بلال أما آن لك أن تزورني يا بلال ، فانتبه حزيناً وجلاً خائفاً ، فركب راحلته