وإذا كانت الذكرى ناقوساً يدِقّ في وادي النسيان يذكّرك الحبيب ويرِنُّ في أسماعك جماله وكماله ، فزيارته والمثول أمام آثاره وعظمته تُؤثّر في خلوده وبقائه في النفوس ، وتزيل غبار النسيان عنه. لذا نرى أنّ الفقهاء أفتوا بأنّه يجب على الحاكم الإسلامي تجهيز المسلمين من بيت المال وإرسالهم إلى الحجّ إذا خلت الكعبة عن الزوّار لئلّا تُنسى ، وحتّى تبقى خالدة في قلوب المسلمين ومهوى أفئدتهم ، فكذلك قبور الأنبياء والمرسلين وفي مقدّمتهم سيّدنا سيد الرسل نبيّنا الأكرم صلوات الله عليه وعلى آله ومن تبعه بإحسان ؛ وذلك لأنّ هجر قبورهم وعدم الاهتمام بها تمهيد لنسيانهم ورسالاتهم وبالتالي القضاء على الإسلام.
* * *
أخي القارئ الكريم ؛ لقد عالجتُ مسألة الزيارة معالجة علميّة في ضوء القرآن والحديث الصحيح وقضاء الفطرة الإنسانية ، فلم يبق في رجحان الزيارة واستحبابها شرعاً شكّ ولا ريب ، وقد تعرفتَ على آثارها الإيجابية للزائر والمزور ، وقد أزحنا بعضَ الأشواك النامية في هذا الطريق ، فعلى المشرفين على القبور والأضرحة ونخصّ بالذكر قبرَ سيد البشر ـ عليه صلوات الله وسلامه ـ استقبال الوافدين عليها بوجوه مشرقة مرَحِّبين بضيوف النبي مهيّئين الأجواء الودّية المناسبة للزيارة ، وحشد كلّ الإمكانات المادّية والمعنوية لإقامتهم في مدينة الرسول صلىاللهعليهوآله إقامة مقرونة بالارتياح.
ولا تفوتنا الاشارة هنا إلى واجب الخطباء والعلماء في إرشاد المسلمين وتوجيههم إلى الآداب الصحيحة للزيارة ، وتذكيرهم بما ينفعهم في الدنيا والآخرة ، حتّى يتلقّى الزائر أنّ الحضور في مزاره الشريف وسيلة للتذكرة به ؛ وهي لا تنفك عن العمل بشريعته ودينه وسنّته والتخلّق بأخلاقه.