الطارئة فليس استدلالاً صحيحاً.
وهناك نكتة أُخرى ؛ وهي أنّ الاستدلال على الجواز بما جرت عليه سيرة العقلاء من إقامة الاحتفالات على عظمائهم قياس مع الفارق ، لأنّ الاحتفالات الرائجة بين العقلاء من الأُمور العادية ، والأصل فيها هو الحلّية ، وأمّا الاحتفال بمولد النبي فإنّما هو احتفال ديني ، وعمل شرعي ، فلا يقاس بتلك الاحتفالات ، بل لا بدّ من طلب دليل شرعي على جوازه ، وبذلك تقدر على القضاء بين أدلّة الطرفين.
نعم لا يمكن أن ننكر أنّ ما يقيمه العقلاء من احتفال يؤثّر في نفوسنا ويحفزنا للإقبال على الاحتفال بمولد النبيّ ، وفي هذا الصدد يقول العلّامة الأميني :
«لعلّ تجديد الذكرى بالمواليد والوفيات ، والجري على مراسم النهضات الدينية ، أو الشعبية العامة ، والحوادث العالمية الاجتماعية ، وما يقع من الطوارق المهمّة في الطوائف والأحياء ، بعدِّ سنيها ، واتّخاذ رأس كلّ سنة بتلكم المناسبات أعياداً وأفراحاً ، أو مآتمَ وأحزاناً ، وإقامة الحفل السارّ ، أو التأبين ، من الشعائر المطّردة ، والعادات الجارية منذ القدم ، ودعمتها الطبيعة البشرية ، وأسّستها الفكرة الصالحة لدى الأُمم الغابرة ، عند كلّ أُمّة ونحلة ، قبل الجاهلية وبعدها ، وهلم جرّاً حتّى اليوم.
هذه مراسم اليهود ، والنصارى ، والعرب ، في أمسها ويومها ، وفي الإسلام وقبله ، سجّلها التاريخ في صفحاته.
وكأنَّ هذه السُنّة نزعة إنسانية ، تنبعث من عوامل الحبّ والعاطفة ، وتسقى من منابع الحياة ، وتتفرع على أُصول التبجيل والتجليل ، والتقدير والإعجاب ، لرجال الدين والدنيا ، وأفذاذ الملأ ، وعُظماء الأُمّة إحياءً لذكراهم ، وتخليداً لأسمائهم ، وفيها فوائد تاريخية اجتماعية ، ودروس أخلاقية ضافية راقية ، لمستقبل الأجيال ،