قطعاً أن يذكر الله سبحانه عن هؤلاء الموجودين على باب الكهف أمراً باطلاً من دون أيّة إشارة إلى بطلانه ؛ إذ لو كان كذلك كأن يكون أمراً محرّماً أو مقدّمة للشرك والانحراف عن التوحيد ، لكان عليه أن لا يمرّ عليها بلا إشارة إلى ضلالهم وانحرافهم ، خصوصاً أنّ سياق الآية بصدد المدح ، وأنّ أهل البلد اتّفقوا على تكريم هؤلاء الّذين هجروا أوطانهم لأجل صيانة عقيدتهم ، غاية الأمر اختلفوا في كيفيّته ، فمن قائل ببناء البنيان إلى آخر قائلٍ ببناء المسجد.
إنّ القرآن كتاب نزل لهداية الإنسان وتربية الأجيال ، والهدف من عرض حياة الأُمم ووقائعهم هو الاعتبار ، فلا ينقل شيئاً إلّا فيه عبرة ، فلو كان الاقتراحان يمسّان كرامة التوحيد ، لِمَ سكت عنه؟!
وهذا ظاهر فيمن تدبّر في القرآن الكريم ، وسيوافيك بقيّة الكلام عند بيان النتيجة.
ولكن تعال معي لنقف على بعض ما قاله جمال الدين القاسمي الدمشقي (١٢٨٣ ـ ١٣٣٢ ه) الذي كان يصوّر نفسه مصلحاً إسلاميّاً يسعى إلى توحيد كلمة المسلمين ولَمِّ شَعْثِهم ، ومن شروط من يتبنّى لنفسه ذلك المقام الرفيع أن ينظر إلى المسائل من منظار وسيع ، ويستقبل الخلاف بين المسلمين بسعة صدر ، ولكنّه ـ عفا الله عنه ـ يريد توحيد الكلمة في ظلّ الأُصول الّتي ورثها عن ابن تيمية ، فزاد في الطين بلّة ، ويشهد لذلك ما علّقه على عبارة ابن كثير.
قال ابن كثير بعد تفسير الآية : هل هم كانوا محمودين أم لا؟ فيه نظر ؛ لأنّ النبيّ قال : «لعن الله اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد» يحذّر ما فعلوا.
وقال جمال الدين : وعجيب من تردّده في كونهم غير محمودين ، مع إيراده