وقد وقف السلف الصالح ـ بعد فتح الشام ـ على قبور الأنبياء ذوات البناء الشامخ ، فتركوها على حالها من دون أن يخطر ببال أحدهم ـ وعلى رأسهم عمر بن الخطاب ـ بأنّ البناء على القبور أمر محرّم يجب هدمه.
وهكذا الحال في سائر القبور المشيّدة عليها الأبنية في أطراف العالم ، وإن كنت في ريب فاقرأ تواريخهم.
ولو قام باحث بوصف الأبنية الشاهقة الّتي كانت مشيّدة على قبور الأنبياء والصالحين قبل ظهور الإسلام ، وما بناه المسلمون في عصر الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يومنا هذا في مختلف البلدان ، لجاء بكتاب فخم ضخم ، يعرب عن أنّ السنّة الرائجة في تلك الأعصار قبل الإسلام وبعده ، من عصر الرسول والصحابة والتابعين لهم إلى يومنا هذا ، هي مشروعيّة البناء على القبور والعناية بحفظ آثار علماء الدين ، ولم ينبس أي ابن أُنثى حول ذلك ببنت شفة ، وما اعتُرض عليها ، بل تلقّوها إظهاراً للمحبّة والودّ لأصحاب الرسالات والنبوّات وأصحاب العلم والفضل ، ومن خالف تلك السنّة وعدّها شركاً أو أمراً محرّماً فقد اتّبع غير سبيل المؤمنين ، قال سبحانه :
(وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) (١).
وقد وارى المسلمون جسد النبيّ الأكرم في بيته المسقّف ، ولم يزل المسلمون منذ واروا جثمانه ، على العناية بحجرته الشريفة بشتّى الأساليب.
وقد بنى عمر بن الخطاب حول حجرته جداراً ، حيث جاء تفصيل كلّ ذلك مع ذكر وصف الأبنية الّتي توالت عليها عبر القرون في الكتب المتعلّقة بتاريخ
__________________
(١) النساء : ١١٥.