فَاسْمَعُونِ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) (١).
اتّفق المفسرون على أنّ الآيات نزلت في رُسل عيسى ، وقد نزلوا بأنطاكية داعين أهلها إلى التوحيد وترك عبادة غيره سبحانه ، فعارضهم من كان فيها بوجوه مذكورة في القرآن.
فبينما كان القوم والرسل يتحاجّون إذ جاء رجل من أقصى المدينة يدعوهم إلى الله سبحانه وقال لهم :
اتّبعوا معاشر الكفار من لا يطلبون منكم الأجر ولا يسألونكم أموالكم على ما جاءوكم به من الهدى ، وهم مهتدون إلى طريق الحق ، سالكون سبيله ، ثمّ أضاف قائلاً :
وما لي لا أعبدُ الَّذي فَطرني وأنشأني وأنعم عليّ وهداني وإليه تُرجعون عند البعث ، فيجزيكم بكفركم ، أتأمرونني أن أتَّخذ آلهةً من دون الله مع أنّهم لا يُغنون شيئاً ولا يردّون ضرراً عنّي ، ولا تنفعني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذونني من الهلاك والضرر ، وعند ما مهّد الجوّ بإبطال حجّة المشركين وبيان أحقيّة منطقه ، فعندئذ خاطب الناس أو الرسل بقوله (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) فسواء أكان الخطاب للمشركين أو للرسل فإذا بالكفار قد هاجموه فرجموه حتى قتل.
ولكنّه سبحانه جزاه بالأمر بدخول الجنة بقوله : (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) فلمّا دخل الجنة خاطب قومه الذين قتلوه بقوله (يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ).
ثمّ إنّه سبحانه لم يمهل القاتلين طويلاً ولم يرسل جنداً من السماء لإهلاكهم ، بل
__________________
(١) يس : ٢٠ ـ ٢٩.