إلى القرآن (١).
ولا شك أنّ ظرف شفاعة هذه الأُمور إنّما هو الحياةُ الدنيويةُ ، فانّ تعاليم الأنبياء وقيادتهم الحُكمية وهداية القرآن وغيره ، إنّما تتحقّق في هذه الحياة الدنيوية ، وإن كانت نتائجها تظهر في الحياة الأُخروية ، فمن عمل بالقرآن وجعله أمامه في هذه الحياة ؛ قاده إلى الجنّة في الحياة الأُخروية. ولأجل ذلك نرى أنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله يأمر الأُمّة بالتمسك بالقرآن ويصفه بالشفاعة ويقول : «فإذا التَبَست عليكم الفتنُ كقطع الليل المظلم فعليكُم بالقرآن فإنّه شافعٌ مشفَّع وماحِل مصدَّق ، ومن جَعَلَه أمامَه قاده إلى الجنّة ، ومن جعله خلفَه ساقه إلى النار ، وهو الدليل يدلّ على خير سبيل ، وهو كتاب فيه تفصيل وبرهان»(٢).
فإنّ قوله : «ومن جعله أمامه» ، تفسير لقوله : «فإنّه شافع مشفَّع».
والحاصل : أنّ الشفاعة القيادية شفاعة بالمعنى اللغوي ، فإنّ المكلّفين بضمّ هداية القرآن وتوجيهات الأنبياء والأئمة إلى إرادتهم وطلباتهم ، يفوزون بالسعادة ويصلون إلى أرقى المقامات في الحياة الأُخروية ويتخلّصون عن تبعات المعاصي ولوازمها.
فالمكلّف وحده لا يصل إلى هذه المقامات ، ولا يتخلّص من تبعات المعاصي ، كما أنّ خطاب القرآن والأنبياء وحده ـ من دون أن يكون هناك من يسمع قولهم ويلبّي نداءهم ـ لا يؤثر ما لم ينضم عمل المكلّف إلى هدايتهم ، وهدايتهم إلى عمل المكلّف فعندئذٍ تتحقّق هذه الغاية.
__________________
(١) مجمع البيان ٢ : ٣٠٤.
(٢) الكليني الكافي ٢ : ٢٣٨.