غير واحد من آياته على أنّ الأنبياء كانوا يكلّمون الموتى ويخاطبونهم. ونلمس ذلك بوضوح في قصتي صالح وشعيب.
أمّا الأُولى : فالقرآن يحكي خطابَه لقومه ـ بعد هلاكهم وأخذ الرجفة لهم ـ فيقول : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ* فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) (١).
أمعن النظر في قوله : (فَتَوَلَّى) حيث تصدَّر بالفاء الدالة على الترتيب : أي بعد ما عمّهم الهلاك أعرض صالح بوجهه عنهم وخاطبهم بقوله : يا قوم ...
أمّا الثانية فهي أيضاً قرينة الأُولى ونظيرتها قال سبحانه : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ* الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ* فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ) (٢).
إنّ الأُوليين من الآيات صريحتان في نزول البلاء عليهم وإبادتهم وإهلاكهم جميعاً ـ فبعد ذلك ـ يخاطبهم نبيُّهم شعيب معرِضاً بوجهه عنهم ، مشعراً بالتبرّي ويقول : يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ... وليس لنا ، ولا لغيرنا تأويل القرآن لأخذ موقف مسبق في الموضوع ، بل يجب عرض الرأي عليه لا عرض القرآن على الفكر الإنساني.
ونكتفي من الآيات بما تلوناه عليك وهناك آيات أُخرى موحدة في المضمون نترك نقلها للاختصار.
__________________
(١) الأعراف : ٧٨ ـ ٧٩.
(٢) الأعراف : ٩١ ـ ٩٣.