تشخيص ما يرجع إليه سبحانه ، وتمييزه ما أعطاه لعباده الصالحين.
إنّ الشفاعة المطلقة ملك لله سبحانه ، فلا شفيع ولا مشفوع له ، بلا إذنه ورضاه ؛ فهو الذي يسنُّ الشفاعة ويأذن للشافع ، ويبعث المذنب إلى باب الشافع ليستغفر له ، إلى غير ذلك من الخصوصيات. فلا يملك الشفاعة بهذا المعنى إلّا هو ، وبذلك يردّ القرآن على المشركين الذين كانوا يزعمون أنّ أربابهم يملكون الشفاعة المطلقة فالشفاعة بهذا المعنى غير مسئولة ولا مطلوبة من النبي صلىاللهعليهوآله.
والمسئول والمطلوب من النبي والصالحين هو الشفاعة المرخّصة المحدّدة ، من الله سبحانه ، أي ما رخّص لهم في أن يشفعوا ويطلبوا لعباده الغفران ، فمثل هذه الشفاعة المرخّصة المأذونة ليست له ؛ لأنّه سبحانه فوق كل شيء ، لا يَستأذن ولا يُؤذن ولا يُحدّد فعله.
وبعبارة واضحة : المراد من قوله سبحانه : (قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) (١) ليس أنّه سبحانه هو الشفيع دون غيره ؛ إذ من الواضح أنّه سبحانه لا يشفع عند غيره ، بل المراد أنّ المالك لمقام الشفاعة هو سبحانه وأنّه لا يشفع أحد في حقّ أحد إلّا بإذنه للشفيع وارتضائه للمشفوع له ، ولكن هذا المقام ثابت لله سبحانه بالأصالة والاستقلال ، ولغيره بالاكتساب والإجازة ، قال سبحانه : (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٢).
فالآية صريحة في أنّ من شهد بالحق يملك الشفاعة ولكن تمليكاً منه سبحانه وفي طول ملكه.
وعلى ذلك فالآية أجنبية عن طلب الشفاعة من الأولياء الصالحين الذين شهدوا بالحق وملكوا الشفاعة ، وأُجيزوا في أمرها في حقّ من ارتضاهم لها.
__________________
(١) الزمر : ٤٤.
(٢) الزخرف : ٨٦.