والآية وإن لم تكن صريحة فيما نبتغيه غير أنّ دعاء إبراهيم في الظروف التي كان يرفع فيها قواعد البيت مع ابنه ، ترشدنا إلى أنّ طلب الدعاء في ذلك الظرف ، لم يكن أمراً اعتباطياً ، بل كانت هناك صلة بين العمل الصالح والدعاء ، وأنّه في قرارة نفسه تمسك بالأوّل ليستجيب دعاءه.
٢ ـ قوله سبحانه : (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ)(١).
ترى أنّه عطف طلب الغفران بالفاء على قوله : (رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا) ، ففاء التفريع تعرب عن صلة بين الإيمان وطلب الغفران.
وأنت إذا سبرت الآيات الكريمة تقف على نظير ذلك فكلّها من قبيل التلميح لا التصريح ، غير أنّ في السنّة النبوية تصريح على أنّ ذكر العمل الصالح الذي أتى به الإنسان لله تبارك وتعالى ، يثير رحمته ، فتنزل رحمته على عبده ويُستجاب دعاؤه ، وقد روى الفريقان القصّة التالية وفيها غنى وكفاية :
روى البخاري عن ابن عمران عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : «بينما ثلاثة نفر ممّن كان قبلكم يمشون إذ أصابهم مطر ، فآووا إلى غارٍ فانطبق عليهم ، فقال بعضهم لبعض : إنّه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلّا الصدق ، فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنّه قد صدق فيه.
فقال واحد منهم : اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أجير عمِلَ لي على فرق من أرُز ، فذهب وتركه ، وإنّي عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته ، فصار من أمره أنّي اشتريت منه بقراً ، وأنّه أتاني يطلب أجره ، فقلت : اعمد إلى تلك البقر فسقها ، فقال لي : إنّما لي عندك فَرَق من أرُز ، فقلت له : اعمد إلى تلك البقر فإنّها من ذلك
__________________
(١) آل عمران : ١٦.