أبو جعفر ، فقال : يا أبا عبد الله أستقبلُ القبلة وأدعو أم أستقبلُ رسول الله صلىاللهعليهوآله؟ فقال : لِمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليهالسلام إلى الله تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به ، فيشفّعه الله تعالى قال الله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) الآية (١).
فانظر هذا الكلام من مالك ، وما اشتمل عليه من أمر الزيارة والتوسّل بالنبي صلىاللهعليهوآله واستقباله عند الدعاء وحسن الأدب التام معه.
وقال أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسين السامري الحنبلي في المستوعب «باب زيارة قبر النبي صلىاللهعليهوآله» وذكر آداب الزيارة ، وقال : ثمّ يأتي حائط القبر فيقف ناحيته ويجعل القبر تلقاء وجهه ، والقبلة خلف ظهره ، والمنبر عن يساره ، وذكر كيفية السلام والدعاء.
منه : اللهم إنّك قلت في كتابك لنبيك عليهالسلام : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ) الآية ، وإنّي قد أتيت نبيّك مستغفراً ، فأسألك أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حياته ، اللهمّ إنّي أتوجه إليك بنبيّك صلىاللهعليهوآله وذكر دعاءً طويلاً (٢).
هذه نماذج قدمناها إليك لتكون على بيّنة من هذا الأمر وأنّه لم يكن هناك فرق بين الحياتين ، وقد نقل المؤرّخون أُموراً كثيرة يضيق الوقت بنقلها ولو كنّا شاكّين في صدق بعض هذه التوسّلات ، ولكن نقل علماء السيرة والتاريخ المقدار الهائل من التوسّلات بدعاء النبي ـ بعد رحيله ـ يكشف عن أنّ التوسّل بدعاء النبي الأكرم كان أمراً رائجاً بين المسلمين ولم يكن أمراً غريباً ولا محظوراً وإلّا لما صحّ أن ينقل المؤرّخ ما يراه المسلمون أمراً مرغوباً عنه. وقد ذكرها بعض من المحقّقين في
__________________
(١) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ٢ : ٩٢.
(٢) وفاء الوفا ٤ : ١٣٦٠ ـ ١٣٦٢.