قال ابن حنيف : فو الله ما تفرّقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنّه لم يكن به ضرّ قط (١).
إنّ دلالة الحديث على جواز التوسّل بذوات الصالحين وأخصّ منهم الأنبياء أمر لا سترة فيه ، نعم بعض من لا يروقه هذا النوع من التوسّل ، أراد التشكيك في الرواية بوجهين ، فقال :
أوّلاً : إنّ معنى التوسّل عند الصحابة هو دعاء الشخص المتوسّل به إلى الله تعالى بقضاء حاجة المتوسّل لا كما يعرفه القوم في زماننا هذا من التوسّل بذات المتوسّل به.
ثانياً : لو كان دعاء الأعمى الذي علّمه رسول الله دعاءً ينفع في كلّ زمان ومكان لما رأينا أيّ أعمى على وجه البسيطة (٢).
يلاحظ على كلامه الأوّل : بأنّه من غرائب الكلام فقد جعل من مذهبه دليلاً على ضعف الرواية ، وهو أنّ معنى التوسّل عند الصحابة هو التوسّل بدعاء الشخص لا بذاته. فمن أين علم أنّه مذهب الصحابة؟! وهل يعرف مذهبهم إلّا من خلال أحاديثهم ، مع أنّ الحديثين المرويين عن طريق الصحابي الجليل عثمان بن حنيف يدلّان على خلافه؟
وأمّا الثاني : فهو اطّراح للوحي ، وازدراء به ، ولو صحّ ما ذكره فلقائل أن يقول : لو صحّ قوله سبحانه : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (٣) يجب أن لا يبقى على وجه البسيط ذو عاهة.
والجواب عن تلك الوسوسة في كلا المقامين واحد ، وهو أنّ الدعاء مقتض
__________________
(١) المعجم الكبير ٩ : ١٦ ـ ١٧ ، باب ما أُسند إلى عثمان بن حنيف ، برقم ٨٣١٠ ، والمعجم الصغير له أيضاً ١ : ١٨٣ ـ ١٨٤.
(٢) التوصل إلى حقيقة التوسّل : ص ٣٣٥.
(٣) غافر : ٦٠.