وثبت تجر ثوبها حتى انتهت إليه وقالت : وا ثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة اليوم ماتت فاطمة أمي وعلي أبي والحسن أخي يا خليفة الماضين وثمال الباقين (١) ، فنظر إليها الحسين عليهالسلام فقال : يا أخية ، لا يذهبن بحلمك الشيطان.
فقالت : بأبي وأمي أبا عبد الله أمستقتل أنت نفسي فداؤك ، فازدادت غصته وترقرقت عيناه ثم قال : لو ترك القطا لنام (٢).
فلطمت وجهها وأهوت إلى جيبها فشقته وخرت مغشيا عليها ، فقام إليها الحسين فصب على وجهها الماء وقال : يا أخية ، اتقي الله وتعزي بعزاء الله ، فإن أهل الأرض يموتون وأهل السماء لا يبقون ، وكل شيء هالك إلّا وجه الله وحده ولي ولكل مسلم برسول الله أسوة حسنة ، فعزاها بنحو هذا وقال : أقسم عليك بأخية لا تشقي عليّ جيبا ولا تخمشيّ علي وجها ، ولا تدعي علي بالويل والثبور.
ثم جاء حتى أجلسها عندي ، ثم أمر أصحابه أن يقربوا بيوتهم بعضا من بعض ويداخلوا الأطناب (٣) بعضها ببعض ويكونوا بينها ، فيستقبلوا القوم من وجه واحد (٤).
[١٨٧] وأخبرنا (٥) محمد بن عبد الله بن أيوب البجلي بإسناده عن زيد بن علي عن أبيه عليهمالسلام أن الحسين (صلوات الله عليه) خطبهم ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
أيها الناس خطّ الموت على ابن آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، ما أولهني إلى أسلافي
__________________
(١) أي بقية الباقين.
(٢) في تاريخ الطبري (لو ترك القطا ليلا لنام) وهو مثل ، والقطا : طائر معروف ، سمي بذلك لثقل مشيه. ويضرب هذا المثل لمن يهيج إذا تهيج ، انظر : لسان العرب. مادة : (قطا).
(٣) نهاية الصفحة [١٩٨ ـ أ].
(٤) انظر : مقاتل الطالبيين ص (١١٣ ـ ١١٤) ، والطبري في تاريخه (٤ / ٣١٩).
(٥) السند هو : حدثنا محمد بن عبد الله بن أيوب البجلي قال : حدثنا ابن عبد العزيز العكبري قال : حدثنا الحسين بن محمد بن يحيى ، عن أبيه ، عن تميم بن ربيعة الرياحي ، عن زيد بن علي ، عن أبيه. والخبر بسنده أخرجه الإمام أبو طالب في أماليه ، انظر تيسير المطالب ص (١٩٩).