الفقار ، فسألوه عن النسبة ، فانتهى إلى محل اليفاع (١) الذي لا لأحد عنه مرغب ، وأوجل الله قلوبهم من مخافته حتى اجتنبوا ناحيته ، فما زالت به تلك المشاهد مع رسول الله حتى سئمته (٢) رجال قريش ، وحتى تشاغلت نساؤهم بالمأتم ، فكم من باكية أو داعية أو موتور (٣) قد احتشى عليه بفقدانه أباه أو أخاه أو عمه أو خاله أو (٤) حميمه ، يخوض مهاول الغمرات بين أسنة الرماح ، لا يثنيه عن نصرة رسول الله ثنوة حداثة ، ولا ضن بمهجته حتى استولى على الفضل في الجهاد في سبيل الله ، وكان أحب الأعمال إلى الله ، وزرع إبليس ـ عدو الله ـ بغضه في قلوبهم ، فلاحظوه بالنظر الشزر (٥) ، وكسروا دونه حواجبهم ، وراشوا بالقول فيه والطعن عليه ، فلم يزده الله بقولهم فيه إلّا ارتفاعا ، كلما نالوا منه نزل القرآن بجميل الثناء عليه في آي كثير من كتاب الله (٦) ، قد غمهم مكانه في المصاحف ، ومن قبل ما أثبته الله جل ثناؤه في وحي الزبور أنه وصي الأوصياء ، وأول (٧) من فتح بعمله أبواب السماء.
فلما قبض رسول الله كان أولاهم بمقامه ، ليس لأحد مثله في نصرته لرسول الله وأخ ليس لهم (٨) مثله له جناحان يطير بهما في الجنة ، وعم له هو سيد الشهداء في جميع الأمم ، وابنان هما سيدا شباب أهل الجنة ، وله سيدة نساء العالمين «زوجة» (٩).
فلما قبض رسول الله أخذ أهله في جهازه إلى ربه ، واختلفوا فيمن يلي الأمر من بعده ، فقالت الأنصار : نحن الذين آوينا ونصرنا.
__________________
(١) أي إلى محل العلو والارتفاع.
(٢) في (ب) : شتمته.
(٣) موتور : اسم مفعول. أصل الكلمة وتر ، والوتر هو الفر ومعنى الموتور : الوحيد الذي فقد أباه أو أخاه وصار وحيدا فردا.
(٤) نهاية الصفحة [٢٣٧ ـ أ].
(٥) أي بنظرة الاشمئزاز والحقد والتكبر.
(٦) انظر شواهد التنزيل للحسكاني ، ومناقب الكوفي ومصادر أخرى عديدة.
(٧) في (أ) : فأول.
(٨) في (أ) : وأخ ليس له.
(٩) ساقط في (أ).