وأمّا الخليفة عثمان بن عفان (رض) فكان مختارا من عبد الرحمن بن عوف بأمر من الخليفة عمر (رض) دون غيره من الصحابة على ما سجّل ذلك كلّه كل من جاء على ذكر السقيفة والشورى من مؤرّخي أهلّ السنّة ، كالطبري وابن الأثير في تاريخيهما وابن قتيبة في (الإمامة والسياسة) وابن عبد ربّه في (العقد الفريد) وابن كثير في (البداية والنهاية) وابن عبد البر في (استيعابه) وغيرهم من حفّاظ أهلّ السنّة أمّا علي أمير المؤمنين (ع) فقد بايعه الصحابة كما بايعه المسلمون ، واختاروه إماما لهم ، وخليفة لرسول الله (ص) بعد مقتل عثمان (رض) ، في أواخر ذي الحجة ، وقد هرع المسلمون من جميع الأقطار الإسلامية كمصر والعراق والبلدان كافة وازدحموا عليه للبيعة ، بلا جبر ، ولا إكراه ، ولم يحدث ذلك لغيره ممّن تقدم عليه ، ولم يتفق لأحد ما اتّفق له (ع) ، ولم تحصل بيعة عامّة كما حصل له (ع) ، فقد اشترك فيها جميع البلدان الإسلامية ، ولما كانوا على يقين من كفاءته ، ولياقته ، وجامعيته لجميع الصفات المتعالية ، والخصال السامية ، من العلم ، والزهد ، والتقى ، والورع ، والشجاعة ، والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى ، وغير ما هنالك من الفضائل العالية ، لم يطلبوا منه ما طلبوه من غيره ممّن تقدم عليه.
وهذا الاختيار من الأمّة ، وإن كان عندنا ، لا يكون دليلا على استحقاق الإمامة ، ولكن لما كنتم تعتبرونه حجّة في إثبات الخلافة ألزمناكم به إلزاما بما ألزمتم به أنفسكم من حجّيّة مثل هذا الاختيار لأنّ النصوص النبويّة (ص) الصحيحة الصريحة المتواترة بين المسلمين عامّة ، والشيعة خاصّة ، والآيات القرآنية الكريمة الدّالة على أنّ عليا أمير المؤمنين (ع) هو إمام الأمّة ، وخليفتها الأول بعد النبي (ص) ، وإنّه هو المخصوص بها دون غيره ممّن تقدم عليه ، تغنينا عن مثل هذا الاختيار من الأمّة لإثبات خلافته بعد النبي (ص). نعم لما كان هذا