قوم أولي بأس شديد ، فلا عموم لها لكل أمير ، وحينئذ نقول : إنّ ذلك قد حصل بغزوة (مؤتة) وذلك فإنّ كلمة القوم في منطوقها نكرة غير منفية فلا تفيد العموم ، والوصف لهم بأولي بأس شديد ، بيان لما هو المقصود منهم ، وإنّهم قوم مخصوصون بهذه الصفة ، وقد تحقق ذلك في الخارج بغزوة (مؤتة) وهذا نظير قول القائل : «ستدعون إلى قوم شجعان» فصادف بعد ذلك أن دعوا إلى قتال أناس موصوفين بالشجاعة فقاتلوهم فقد حصلت الطاعة منهم قطعا. أمّا قتال غيرهم فإنّه إنّما يجب ، إمّا بأمر جديد مثله وهو مفقود ، وإمّا بأمر متعلق بعنوان عام يشملهم ، وقد فرضناه فيما تقدم مجاراة لكم ، لا سيما إذا لاحظتم كلمة (السين) في ستدعون الدالّة على التنفيس المفيد لقرب زمان الفعل في المستقبل عند أئمة اللغة.
والحديبية كانت سنة ست من الهجرة النبوية (ص) فأقرب زمان في المستقبل إليها الذي تحقق فيه الوصف بالسير إلى قتال أهل مؤتة وأهل مكة ، وحنين ، هو مؤتة. فإنّ هذه الغزوات وإن وقعت سنة ثمان من الهجرة النبوية (ص) ، إلّا أنّ مؤتة وقعت قبل الغزوتين (الفتح وحنين) فإنّها وقعت في جمادي الأولى سنة ثمان ، والفتح وقعت في شهر رمضان لعشر مضين منه في سنة ثمان ، وحنين وقعت بعد الفتح. وقد جاء على ذكر ذلك كل من أرّخ هذه الغزوات من مؤرّخي أهل السنّة كابن الأثير ، والطبري في تاريخيهما ، وابن كثير في (بدايته ونهايته) ، والحلبي في سيرته ، وكثير غيرهم منهم.
فتلخص ممّا حققناه على القاعدة المسلمة عند علماء النحو من سين التنفيس ، إنّ غزوة مؤتة هي المعنية بقوله تعالى : (إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) على أنّ انطباق الوصف في الآية على الطوائف الثلاث في مؤتة ، وحنين ، والفتح ، أولى وأحقّ بالانطباق على الروم ، والفرس ، وغيرهم ممن قاتلهم الخلفاء (رض) ، لأنّ أولئك كانوا من