بقي الحسّ أو الخبر ، ومن المعلوم أنّ الإحساس بكلام الغير أو الإخبار عن كلامه ، إنّما يمكن بعد معرفته ، فحينئذ يمنع الحكم باتّفاق الأمّة قبل معرفة كلّ واحد ، وهو ممتنع لتفرّقهم شرقا وغربا ، وربما كان إنسان في مطمورة (١) لا نعلم قوله.
مع أنّا نعلم أنّ الذين في المشرق لا علم لهم بعلماء أهل المغرب ، فضلا عن العلم بكلّ واحد منهم ومعرفة مذهبه على التفصيل.
سلّمنا العلم بكلّ واحد ، لكن لا يمكن معرفة اتّفاقهم إلّا بالرجوع إلى كلّ واحد منهم ، وهو لا يفيد القطع به ، لاحتمال أن يفتي بخلاف معتقده خوفا وتقيّة أو لأمر آخر.
سلّمنا معرفة كلّ قول معتقد ، لكن يحتمل رجوع أهل كلّ بلدة عن قولهم بعد الخروج عنهم إلى غيرهم قبل فتوى أهل البلدة الأخرى ، وحينئذ لا يحصل الاتّفاق ، لأنّا لو قدّرنا انقسام الأمّة قسمين ، وأفتى أحدهما بحكم والآخر بنقيضه ، ثمّ انقلب المثبت نافيا وبالعكس لم يحصل الإجماع ، بل لو اتّفق اجتماعهم كلّهم في بلدة ورفعوا أصواتهم دفعة واحدة بإفتاء ذلك الحكم لم يفد العلم بالإجماع ، مع امتناع هذا الفرض ، لاحتمال أن يكون البعض مخالفا وخاف من مخالفة الجمع العظيم أو خالف وخفي صوته.
لا يقال (٢) : يبطل ما ذكرتم بالعلم الضّروري باعتراف المسلمين بنبوّة
__________________
(١) المطمورة : السّجن. المعجم الوسيط.
(٢) ما يمرّ عليك في المقام ، إنّما هو لفخر الدين الرازي ، وليس للمصنّف نفسه ، كما سيأتي الإشارة إليه في نهاية كلامه ويذكر نظره فيه.