والمأمور والمنهيّ وإن كان زمانه متّحدا ، لكنّ زمان تعلّق الأمر به غير زمان تعلّق النهي به ، ومع التغاير فلا امتناع.
والجواب : قد تقدّم إثبات الحسن والقبح العقليّين ، وحكمته تعالى قد أثبتناها في كتبنا الكلاميّة ، ولو لا هذان المقامان انتفت الشرائع بالكلّية ، وبقاء الأمر وانتفاء النهي لا يكونان وجها في قبح الفعل ولا حسنه ، ولا يؤثّران في وقوعه على وجه يقتضي مصلحة أو مفسدة ، فإنّ الفعل لا يحسن بالأمر ولا يقبح بالنهي ، ولا تأثير لهما في الوجوه الّتي يقع عليها.
قوله : قد يكون المأمور به منشأ المصلحة دون الأمر ، فيحسن النهي بعد الأمر عند كونهما معا منشأ المصلحة.
قلنا : قد بيّنا أنّ الأمر والنهي لا مدخل لهما في وجوه الأفعال من حسن وقبح ، ولا تأثير لهما في الوجوه الّتي يقع عليها.
لا يقال : انّهما وان لم يقتضيا قبح فعل ولا حسنه ، ولم يؤثّرا في وجه يقع الفعل عليه ، لكنّهما دليلان على وجهي الحسن والقبح ، وإذا دلّا ، فلا بدّ من ثبوت وجه يقتضي أحدهما ، لأنّ الدلالة إنّما تدلّ على صحّته ، فلا استبعاد في أن يأمر الله تعالى بالصلاة وقت الغروب ، وتكون الصلاة واجبة في ذلك الوقت متى استمرّ حكم الأمر بها ، وان لم يرد نهي عنها ، وإن ورد النهي يغيّر حالها ، فإذا أمر بالصلاة اعتقد وجوبها عليه ، متى لم ينه عنها ، فإذا ورد النهي اعتقد قبحها ، ويكون الغرض في هذا التكليف مصلحة المكلّف ، كأنّا نقدّر أنّه تعالى علم أنّه إن كلّفه على هذا الوجه ، كان مصلحة له ، في واجب عليه يفعله أو قبيح يجتنبه.