وأمّا الرغبة الدنيوية فإمّا رجاء عوض على الكذب ، وهو باطل ، لأنّ بعض الناس لا يرضى على الكذب العوض الكبير وإن احتاج ، أو لأجل أن يسمع غيره شيئا غريبا وإن لم يكن له أصل ، والأكثر لا يرضى لنفسه ذلك.
وأمّا الرهبة فإنّما تكون من السّلطان ، ويتعذّر عليه جمع الخلق العظيم على الكذب ، فإنّا نشاهد عجزه عن ذلك في أهل بلد واحد لعدم علمه بكلّ واحد فلا يجعله مضطرا إلى الكذب. ولأنّ السلطان كثيرا ما يخوّف الرّعية عن التحدّث بشيء ثمّ يظهر منهم آخر الأمر.
ولأنّا نعلم في كثير من الأمور انتفاء غرض السّلطان في الحمل على الكذب. ولا يجوز أن يقال : الجماعة الكثيرة كذب بعضهم للرغبة وبعضهم للرهبة وبعضهم للتديّن ، لأنّ كلامنا في جماعة عظيمة أبعاضها جماعات عظيمة يمتنع تساوي أحوالها في قوة هذه الدواعي.
وأمّا بطلان كذبهم لا مع العلم بالكذب ، فلأنّه غير ممكن إلّا مع الاشتباه ، ولا يمكن وقوع الاشتباه في الضروريات ، وشرط التواتر استناده إلى ضروري محسوس ، هذا إن أخبرونا عن المشاهدة.
وإن أخبرونا عن جماعة أخبروهم عن المحسوس ، أو عن جماعة أخرى أيضا ، فإنّه لا يحصل العلم إلّا بعد اتّصاف الوسائط والطرفين بشرائط التواتر.
وإنّما يعلم بأن يخبرنا أهل التواتر أنّ أولئك الماضين كانوا جامعين للشرائط.