وأنّ كلّ ما ظهر بعد خفاء ، وقوي بعد ضعف فلا بدّ وأن يشتهر بين الناس حدوثه ووقت حدوثه ، كما اشتهرت مقالة الكرّامية والجهمية وحدوثها ووقت حدوثها ، ولمّا لم يظهر شيء من ذلك عرف أنّ الأمر كذلك في كلّ الأزمنة.
وهذا على طوله لا يفيد اليقين لوجوه :
الأوّل : التقسيم إنّما يكون قطعيا لو اشتمل على طرفي النقيض وبطلان ما عدا المطلوب ، وهذه التقسيمات ليست كذلك.
الثاني : يجوز أن يكذبوا لا لغرض ولا يفتقر الفعل إلى المرجّح وإلّا لزم الجبر ، لأنّ قدرة العبد صالحة للضدين وإلّا لزم الجبر ؛ فإن افتقر في ترجيح أحدهما إلى مرجّح ، فإن كان من العبد تسلسل ، وإن كان منه تعالى فإن وجب ترتّب أثره عليه لزم الجبر ، وإلّا كان اختصاص وقت الترتّب دون الآخر إن كان لمزية اختصّ بها ذلك الوقت ، فقبلها لم يكن المرجّح التام حاصلا ، وقد فرضناه حاصلا ، هذا خلف.
ثمّ ينقل الكلام إلى تلك المزية ، إمّا أن يكون من فعله تعالى أو من فعل العبد. وإن لم يكن لمزية تساوت الأوقات ، فالترجيح في بعضها يكون ترجيحا لأحد طرفي الممكن لا لمرجح ، وهو محال.
فظهر أنّ العبد إن لم يحصل له مرجّح من الغير امتنع أن يكون فاعلا ، ومع المرجّح من الغير يجب فعله ، وهو عين الجبر.
سلّمنا انّ بتقدير حصول المرجّح من الغير لا يجب ترتّب الأثر عليه