فإن قيل (١) : العلم بعدم هذه الأمور إن توقّف على العلم بأنّه لو كان لوجب نقله ، وجب أن يكون الشاك في الأصل شاكّا في هذه الفروع ، لكن الناس كما يعلمون ضرورة وجود بغداد والبصرة يعلمون ضرورة عدم بلدة بينهما أكبر منهما ، والضروري لا يتوقّف على النظري ، وإن لم يتوقّف ، فالعلم بعدم البلدة غير متوقّف على العلم بأنّها لو كانت لنقلت ، ولا يلزم من عدم هذا عدم ذلك.
سلّمنا توقّف العلم بعدم هذه الأمور على العلم بأنّها لو كانت لنقلت ، لكن ما ذكرتموه مثال واحد ، فلا يلزم حصوله في كلّ الصور ، فإن قستم باقي الصور على المثال لم يفد اليقين ، لجواز أن يكون الفارق بين الأصل والفرع شرطا في الأصل ، أو مانعا في الفرع ، فلم يبيّن عدم العمومية في كلّ الصور عدم تواتر الإقامة ، فبعض نقلها أفرادا وبعضهم مثنّاة ، مع أنّها من أجلّ الأشياء وأعظمها تكرارا.
وكذا هيئة الصلاة : من رفع اليدين والجهر بالتسمية ، وغير ذلك مع ظهورها غاية الظهور ، ولم تنقل متواترا.
وكذا انشقاق القمر ، وتسبيح الحصى ، وإشباع الخلق الكثير من الطعام القليل ، ونبوع الماء من بين أصابعه صلىاللهعليهوآلهوسلم من الأمور العظام والأشياء العجيبة ولم يتواتر نقلها.
__________________
(١) نقله الرازي في محصوله : ٢ / ١٤٨.