فيه ، بل هؤلاء المحدّثون أتباع كلّ ناعق ، وعبيد كلّ من غلب ، يروون لأهل كلّ دولة في ملكهم ، فإن انقضت دولتهم تركوهم.
ولأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ما كانت الصحابة تكتب كلامه من أوّله إلى آخره لفظا لفظا ، وإنّما كانوا يسمعونه ثمّ يخرجون من عنده ، وربّما رووا ذلك الكلام بعد ثلاثين سنة.
ومن المعلوم أنّ العلماء الذين تعوّدوا تلقّف الكلام لو سمعوا كلاما قليلا مرة واحدة فأرادوا إعادته في تلك الساعة بعين تلك الألفاظ من غير تقديم ولا تأخير ، لعجزوا عنه فكيف بالكلام الطويل بعد المدة الطويلة من غير تكرار ولا كتابة.
ومن أنصف علم أنّ الألفاظ المروية ليست ألفاظه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم بعد المدة الطويلة لا يمكن إعادة المعنى بتمامه ، فإنّ الإنسان مظنّة النسيان ، بل إنّما يعيد بعضه خصوصا ، وقد جرّبناهم فرأيناهم يروون المعنى الواحد بألفاظ كثيرة مختلفة مع زيادات ونقصانات.
وهذه المطاعن كلّها روايات آحاد (١) لا تعارض الآيات والأحاديث المشهورة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من الثناء على أصحابه ، وهذه المطاعن مروية
__________________
(١) ما اعتذر به العلّامة عن هذه المطاعن منقول عن المحصول للرازي : ٢ / ١٦٩ ، وليست نظريته خاصّة ، ومن المعلوم أنّ كلّ واحد من هذه المطاعن بصورة الآحاد ولكن المجموع من حيث المجموع متواتر بالمعنى ، وأنّ صحابة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكونوا على مستوى واحد في الفضائل والمناقب ، فقد كان بعضهم بمكانة يستدر بهم الغمام ، وأمّا غيرهم فقد كانوا على صنوف أوضحنا حالهم في الجزء الأوّل من كتاب «بحوث في الملل والنحل» الفصل السادس تحت عنوان الصحابة بين العدالة والبرهان ، فراجع.