الثاني : العمل به موقوف على صدق الخبر ووجوب العمل وصحّته لا يقفان على الظن. وهو باطل ، لجواز توقّفه على الظن ، لأنّ الفعل الشرعي إنّما يجب لكونه مصلحة ، ولا يمتنع أن يكون مصلحة إذا فعلناه ونحن على صفة مخصوصة وكوننا ظانّين بصدق الراوي صفة من صفاتنا فدخلت في جملة أحوالنا الّتي يجوز كون الفعل عندها مصلحة. ولهذا يلزم المسافر سلوك طريق وتجنب آخر إذا أخبر بسلامة ذاك واختلال هذا من يظن صدقه ، ويجب على الحاكم العمل بالشهادة مع ظنّه.
فإن قيل (١) : نمنع عدم استلزام المحال باعتبار أمر خارج وإن لم يكن ذاتيا.
وبيانه : أنّ التكليف مبني على المصلحة ودفع المفسدة ، فلو تعبدنا باتّباع خبر الواحد والعمل به ، لزم الإقدام على المفسدة بأن يتضمّن الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سفك الدم أو استحلال محرّم مع احتمال كذبه ، فلا يكون في العمل بمقتضى قوله مصلحة ، بل محض مفسدة ، وهو خلاف الشرع ، ولهذا امتنع العمل بخبر الصبيّ والفاسق.
ثمّ فرّقوا بين الشهادة والخبر من وجوه (٢) :
الأوّل : الشهادة إنّما تقبل فيما يجوز فيه الصلح وفي أمور الدّنيا ، بخلاف الخبر عن الله وعن الرسول ، فكانت المفسدة في الشهادة أبعد.
__________________
(١) الإحكام : ٢ / ٦١.
(٢) ذكرها أيضا الآمدي والأجوبة عنها في الإحكام : ٢ / ٦١.