احتجّ المخالف بوجوه (١) :
الأوّل : قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «نضّر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها فأدّاها كما سمعها ، فربّ مبلغ أوعى من سامع ، ورب حامل فقه ليس بفقيه ، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه». (٢) وأداؤه كما سمعه هو أداء اللفظ المسموع ، ونقل الفقه إلى من هو أفقه منه معناه : أنّ الأفقه قد يتفطّن بفضل معرفته من فوائد اللفظ بما لا يتفطّن إليه غير الفقيه الّذي رواه.
الثاني : التجربة دلّت على أنّ المتأخّر يستخرج من فوائد ألفاظ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أفضل الصلوات وأجمل التحيات ما لم يسبقه المتقدّم إليه ، فعرفنا أنّ السامع لا يجب أن يتنبّه لفوائد اللفظ في الحال وإن كان فقيها ذكيا ، فجاز أن يتوهّم في اللفظ المبدل أنّه مساو للآخر وبينهما تفاوت لم يتفطّن له.
الثالث : لو جاز للراوي تبديل لفظ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بلفظ من عنده ، لجاز للراوي عن الراوي تبديل لفظ الأصل ، بل هو أولى ، فإنّ تبديل لفظ الراوي أولى من تبديل لفظ الشارع ، ولو جاز ذلك لجاز للثالث الراوي عن الثاني والرابع الراوي عن الثالث وهكذا ، وذلك يستلزم سقوط الكلام الأوّل بالكلية ، فإنّ المعبر (٣) إذا ترجم وبالغ في المطابقة تعذّر عليه إلّا الإتيان بلفظ بينه وبين الأوّل تفاوت وإن قلّ ، فإذا تضاعف ذلك التفاوت اختلّ
__________________
(١) ذكرها مع الأجوبة عنها الرازي في المحصول : ٢ / ٢٣٢ ؛ والآمدي في الإحكام : ٢ / ١١٦.
(٢) مسند أحمد : ٤ / ٨٠ و ٨٢ ؛ سنن الدارمي : ١ / ٧٥ ؛ سنن ابن ماجة : ١ / ٨٦.
(٣) في «أ» : المعنى ، وفي «ب» : المغير.