مذموما على الإطلاق لكانت الصحابة مع اشتهار اختلافهم مخطئة.
وفيه نظر ، فإنّ اختلاف الملل حصل بالنسخ والحكمان المختلفان غير مجتمعين فيها ، بخلاف اختلاف المجتهدين المستلزم لارتكاب الخطأ من بعضهم ، وقد ذمّ علي عليهالسلام اختلاف الحكام في الأحكام في قوله : «ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ، ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ، ثمّ يجمع القضاة بذلك عند الإمام الّذي استقضاهم فيصوّب آراءهم جميعا ، وإلههم واحد ونبيّهم واحد وكتابهم واحد ، أفأمرهم الله سبحانه بالخلاف فأطاعوه ، أم نهاهم عنه فعصوه ، أم أنزل الله سبحانه دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه ، أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى ، أم أنزل الله دينا تاما فقصّر الرسول عن تبليغه وأدائه؟ والله يقول : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ)(١) ، وفيه تبيان كلّ شيء ، وذكر أنّ الكتاب يصدق بعضه بعضا ، وأنّه لا اختلاف فيه ، فقال سبحانه : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)(٢) ، وإنّ القرآن ظاهره أنيق ، وباطنه عميق ، لا تفنى عجائبه ، ولا تنقضي غرائبه ، ولا تكشف الظلمات إلّا به». (٣) وهذا نص في ذمّ الاختلاف.
وعلى الثامن : بأنّ كلّ مجتهد مصيب ، لأنّ حكم الله تعالى في حقّ كلّ واحد ما أدّى إليه اجتهاده ، وهو لا يمنع من كون كلّ من المتناقضين حقّا
__________________
(١) الأنعام : ٣٨.
(٢) النساء : ٨٢.
(٣) نهج البلاغة : ١ / ٥٦ ، الخطبة ١٨.