الثالث : سلّمنا عدم المانع من حمله على المجاوزة ، لكن ليس الأمر بها أمرا بالقياس الشرعي ، فإنّ كلّ من استدلّ بدليل فقد عبر منه إلى المدلول ، فمسمّى الاعتبار مشترك بين الاستدلال بالدليل العقلي القاطع والنصّ والبراءة الأصلية والقياس الشرعي ، وكلّ منها يخالف الآخر بخصوصية ، وما به الاشتراك غير ما به الامتياز وغير مستلزم له ، فاللفظ الدالّ على ما به الاشتراك غير دالّ على الخصوصيات بإحدى الدلالات الثلاث فلا يدلّ على النوع الّذي ليس هو إلّا مجموع ما به الاشتراك والامتياز ، فلا يدلّ الاعتبار على القياس الشرعي لا بلفظه ولا بمعناه.
لا يقال : القدر المشترك بين الأنواع إنّما يوجد عند وجود أحدها ، والأمر بالشيء أمر بما هو من ضروراته ، فالأمر بإدخال الاعتبار في الوجود أمر بإدخال أحد أنواعه فيه ، وليس تعيين أحدها أولى من الباقي ، لتساوي نسبة القدر المشترك إليها ، وأمّا أن لا يجب ثبوت شيء منها ، وهو باطل ، لاستلزام الإخلال بالجميع الإخلال بالماهية ، فلا يكون المسمّى مأمورا به ؛ أو يجب الجميع ، وهو المراد فيدخل القياس فيه.
لأنّا نقول : نمنع عدم أولوية بعض الأنواع ، لأنّ الاعتبار المأمور به في الآية لا يمكن أن يكون هو القياس الشرعي فقط ، وإلّا لصار معنى الآية «يخرّبون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فقيسوا الذرة على البر» وهو معلوم البطلان ، فوجب تقدير نوع آخر غيره وهو الاتعاظ ، إلّا انّا نقول : إنّه يفيد الاتّعاظ فقط ، وأنتم تقولون : إنّه يفيده مع إفادة القياس الشرعي.
فإذن الأمر بالاعتبار يستلزم الأمر بالاتّعاظ ، ومسمّى الاعتبار حاصل