لأنّا نقول : نحن نقلنا تصريح المنع والردّ على الإطلاق من غير تقييد بصورة خاصة وأنتم لم تنقلوا التصريح بالعمل ، بل رويتم أحكاما ثمّ استدللتم بوجوه غامضة على أنّ تلك الأحكام دالّة على قولهم بالقياس ، ومعلوم أنّ تصريح الردّ أقوى ممّا ذكرتموه.
سلّمنا ، لكن يمكن التوفيق بوجه آخر ، وهو أنّ بعضهم كان قائلا بالقياس حين كان البعض الآخر منكرا ثمّ انقلب القائل به منكرا أو بالعكس ، فيكون كلّ منهم مادحا للقياس وذامّا له من غير تناقض ، ولا يحصل به إجماع على العمل.
الثالث عشر : قول البعض وسكوت الباقين لا يدلّ على الإجماع لإمكان السكوت للخوف والتقية.
قال النّظام (١) : هنا لم يجمع الصحابة على القياس ، بل القائل به قوم معدودون قليلون ، كعمر وعثمان وابن مسعود وأبي وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وأبي موسى وغيرهم من أصاغر الصحابة ، ولمّا كان فيهم عمر وعثمان من السلاطين ومعهم الرغبة والرهبة ، شاع ذلك في الدهماء (٢) ، وانقادت لهم العامة والباقون لم يعلموا به وجاز لهم التقية لعلمهم أنّ إنكارهم غير مقبول.
قال : ويدل عليه أنّه قال في الفتيا عبد الله بن عباس ، والعباس أكبر منه ولم يقل شيئا في الفتيا من غير عجز ولا عيّ ولا غيبة عن شيء شهده ابنه.
__________________
(١) نقله عنه الرازي في المحصول : ٢ / ٢٧٦.
(٢) الدهماء : السواد الأعظم والجماعة الكثيرة. لسان العرب : ١٢ / ٢١٠ ، مادة «دهم».