واختلفوا في وقوع نسخ المتواتر به ، بعد اتّفاقهم على جوازه ، فأثبته داود وأهل الظاهر ، ونفاه الباقون.
أمّا الجواز فظاهر ، لأنّ الخبر طريق إلى معرفة الأحكام ومخصّص للعمومات المتواترة ، والنسخ نوع منه.
وأيضا ، لا استبعاد في أن يتعبّدنا الله تعالى برفع حكم متواتر بما يصل إلينا آحادا.
والتحقيق : أنّ خبر الواحد ليس هو الناسخ ، بل كلامه إلى رسوله (١) هو الناسخ ، وإنّما وصوله إلينا بالآحاد ، وقد تعبّدنا الله تعالى بالعمل بخبر الواحد ، ولا فرق بين أن يرفع الحكم عن بعض الأشخاص وبعض الأزمان.
وأمّا عدم الوقوع ، فلوجوه :
الأوّل : ترك الصحابة العمل به إذا رفع حكم الكتاب ، قال علي عليهالسلام : لا ندع كتاب ربنا وسنّة نبيّنا بقول أعرابي بوّال على عقبيه (٢).
وقال عمر : لا ندع كتاب ربّنا وسنّة نبيّنا بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت. (٣)
__________________
(١) وفي بعض النسخ «بل كلام الرسول» وما في المتن هو الأصحّ.
(٢) قاله عليهالسلام فيمن تزوج امرأة ثم مات عنها ، ولم يفرض لها صداقا ولم يكن دخل بها ، فروى معقل بن سنان الأشجعي أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قضى في «بروع» ابنة «داشق» ان لها مثل مهر نسائها ولها الميراث ، فقال علي عليهالسلام : لا تستحق إلّا الميراث فقط ، ولا تستحق مهرا ولا متعة لأنّ المتعة لم ترد إلّا للمطلقة ، والمهر عوض عن الوطء ولم يقع من الزوج ، ولا نقبل قول أعرابي بوّال على عقبيه فيما يخالف كتاب الله وسنّة نبيه. لاحظ نيل الاوطار : ٦ / ١٧٢ ـ ١٧٣.
(٣) تقدم تخريج الحديث في الجزء الثاني : ص ٣٠١.