العقاب من جهته ، فتدبّر.
هذا وقد سلك في الرسالة (١) مسلكا آخر في المقام بناء على جعل الأخبار من باب الموضوعيّة ، وهو أنّه لما كان الحكم بالتخيير من العقل وهو إنّما يحكم به من جهة أنّ وجوب العمل لكل منهما عينا الذي يستفيده من دليل وجوب العمل بكل من المتعارضين مع الإمكان مانع عن وجوب العمل بالآخر كذلك ، ولا تفاوت بينهما في الماهيّة (٢) ؛ لأنّ المانع بحكم العقل هو مجرّد الوجوب الموجود في كلّ منهما ومجرّد مزيّة أحدهما بما لا يرجع إلى الأقربيّة إلى الواقع لا يثمر شيئا ، بعد أن كان المناط هو مجرّد وجوب العمل دون الأقربيّة ، وليس في حكم العقل إهمال وإجمال وواقع مجهول حتى يحتمل تعيين الراجح ووجوب طرح المرجوح ، فالحكم بالتخيير نتيجة وجوب العمل بكلّ منهما في حدّ ذاته ، قال (٣) : وهذا الكلام مطرد في كلّ واجبين متزاحمين ، نعم لو كان وجوب أحدهما آكد استقل العقل بتقديمه وكذا لو احتمل الآكديّة والأهميّة في أحدهما ، وما نحن فيه ليس كذلك ؛ فإنّ وجوب العمل بالراجح ليس آكد من وجوب العمل بالمرجوح.
أقول : الحاكم وإن كان هو العقل إلا أنّ حكمه معلّق على عدم تعيين الشارع لأحدهما ، فيمكن أن يشك في أنّه هل عيّن العمل بالراجح أو لا؟ وكون المزية موجبة للأقربيّة التي ليست مناطا لا ينفي الشك ؛ لاحتمال أن يكون الشارع اعتبرها تعبدا كما إنّه اعتبر الخبر الذي هو مفيد للظن النوعي تعبدا ، ولم يعتبر ما لا يفيد الظن نوعا ، فموضوع الحجيّة أو الوجوب (٤) هو الخبر المفيد للظن النوعي تعبدا ، فيمكن أن يكون الموضوع في حال المعارضة الخبر المقرون بما يوجب الأقربيّة إلى الواقع مع أنّ لازم كلامه عدم الترجيح بالمرجّحات المنصوصة وإن كانت معلومة الاعتبار لعدم إمكان كونها مرجحة عنده بناء على الموضوعيّة.
ودعوى : أنّه يجعل الترجيحات في الأخبار شاهدة على الطريقيّة.
__________________
(١) فرائد الأصول : ٤ / ٥٢ ـ ٥٣.
(٢) في نسخة (د) : في المانعيّة ، أقول : وهو الصحيح.
(٣) في نسخة (ب) : وقال.
(٤) جاء في نسخة (ب) : الحجيّة والوجوب ، وفي (د) : فموضوع الحجّة والوجوب.