الطرح ، بل إمّا الأخذ بالأرجح أو التخيير ؛ فإذا شككنا في أنّ المورد من موارد التخيير أو الترجيح فلا يجوز الأخذ بالمرجوح ؛ للشك في حجيّته ، والأصل العدم.
فإن قلت : الشك في جواز العمل بالمرجوح وعدمه مسبب عن الشك في كون الرجحان الثابت علما أو احتمالا واجب العمل شرعا ، فأصالة عدم وجوبه حاكم على عدم جواز العمل بالآخر.
قلت : قد أجاب بعض الأفاضل (١) عن ذلك :
أولا : بأنّ الحكومة في أفراد أصل واحد لا تجري ، ولو مع التسبب (٢) فلا يقدم الأصل في السبب على الأصل في المسبّب ، بل هما متعارضان كغيرهما وفاقا للجلّ قال : وقد حققنا ذلك في بابه.
وثانيا : إنّ التسبب لا بدّ من أن يكون (٣) بين المشكوكين لا بين الشكّين ، والأمر هنا ليس كذلك ؛ لأنّ سبب عدم جواز العمل بالمرجوح عند الشارع ليس وجوب العمل بالراجح ، بل لما مرّ في مرتبة واحدة (٤) ، وإلا لكان عدم اعتبار الظنون الغير المعتبرة مسببا ومعلولا لحجيّة الظنون المعتبرة ، وهو كما ترى! بل الراجح والمرجوح ظنّان تعارضا ونحن جازمين بحجيّة الراجح وشاكّين في حجيّة المرجوح ، فإن لم يكن حجّة فإنّما هو لعدم وجود المقتضي له ، لا لوجود المانع ، وهو حجيّة الراجح ؛ فإنّ الشك في وجوب العمل بالراجح عينا ليس شكّا في أمر زائد على جواز العمل به بعد إحرازه كما قلنا في المتزاحمين حتى يدفع بالأصل ، بل العينيّة على فرض وجوبها العيني إنّما نشأت من عدم حجيّة معارضه ، فالشك في وجوب العمل بالراجح عينا وجواز العمل بالمرجوح كليهما نشأ من الشك في الحكم الشرعي في المرجوح :
__________________
(١) بحر الفوائد : ٤ / ٤٠ ـ ٤١ ، وذكره بدائع الأفكار أيضا نصا ، ولا نعلم أيّا منهما قد أخذه من الآخر أو أنّهما قد أخذاه من ثالث.
(٢) في نسخة (د) : التسبيب.
(٣) كلمة «أن يكون» لا توجد في نسخة (ب) و (د).
(٤) مرّ في الصفحة السابقة وما قبلها.