فالجواب عنه هو أن يقال : نمنع تسبب أحد الشكّين عن الآخر بل نقول بعد العلم بأحد الجعلين يكون الشك في الوجوب العيني بالنسبة إلى الراجح والجواز بالنسبة إلى المرجوح مسببا عن أنّ المجعول في هذه الصورة ما هو؟ وكما أنّ الأصل عدم الوجوب (١) اختيار الراجح فقط في مقام العمل ؛ لأنّه القدر المتيقن ، والفرق بين هذا البيان والبيان الذي ذكره إنّما نسلم كون الوجوب العيني أمرا زائدا على الجواز ، وأنّه بجعل الشارع وأنّ الأصل عدمه ، ولكن (٢) نقول هو معارض بأصالة عدم حجيّة الآخر ، فأحد طرفي المعارضة يعين العمل وأحد طرفيها جواز العمل ، وليس الشك في أحدهما ناشئا عن الشك الآخر (٣) فيسقطان بالمعارضة ، ويبقى الجواز في الآخر سليما.
ودعوى : أنّ التخيير عبارة عن عدم الوجوب العيني فيكون أحد الجعلين (٤) أمرا وجوديّا (٥) والآخر عدميّا فلا يكون الأصل معارضا.
مدفوعة : بمنع ذلك بل التخيير أمر وجودي ؛ لأنّه عبارة عن جعل الحجّة لكل واحد على وجه التخيير ، كما أنّ دعوى أنّ موضوعه مجرّد عدم الرجحان المعتبر ممنوعة أيضا ، بل يمكن أن يكون موضوعه التساوي الواقعي لا مجرد الأمر العدمي ، وكون عدم الرجحان في الواقع كافيا في الحكم بالتخيير لا يثبت أنّ العنوان في الواقع كذلك ؛ إذ يحتمل أن يكون من باب الملازمة الواقعيّة لما هو العنوان وهو التساوي.
ثمّ لا يخفى أنّ ما ذكره من أنّ الشك في وجوب العمل بالراجح عينا وجواز العمل بالمرجوح كلاهما نشأ .. إلى آخره ، غير تام ؛ إذ جواز العمل بالمرجوح عين حجيّته ، فبمقتضى ما ذكره ينبغي أن يقول : الشك في العينيّة (٦) ناشئ عن الشك
__________________
(١) جاء في النسخة (د) بعدها : العيني كذلك الأصل عدم جواز العمل بالآخر فلا يجري شيء من الأصلين وحينئذ يحكم العقل بوجوب ...
(٢) في نسخة (د) : لكن.
(٣) في نسخة (د) : في الآخر.
(٤) في نسخة (ب) و (د) : أحد المجعولين.
(٥) لا توجد كلمة «وجوديا» في النسخة (ب).
(٦) جاء في نسخة (د) : العينية القهريّة.