للإيجاب هو الراجحيّة يجب العمل ، وأنّ أصالة عدم المانع جارية ؛ لأنّها معتبرة من باب الظن في غير محلّه ، مع أنّ الظن غير حاصل ولو نوعا بعدم المانع ، كما لا يخفى ولو قال إنّ أصالة عدم المانع معتبرة من باب بناء العقلاء وإن لم يفد الظن كان أولى وإن كان ممنوعا أيضا ؛ لأنّا نمنع بنائهم على جريانها مع عدم رجوعها إلى الاستصحاب ، ألا ترى أنّه لو علم العبد بوجود ضيف للمولى وأنّه مقتض لأمره بشراء اللحم إلا أن يمنعه مانع .. لا يجوز له أخذ اللحم وشراءه بمجرّد ذلك والبناء على عدم المانع.
والحاصل : أنّ العقلاء لا يثبتون الجعل والأمر بأصالة عدم المانع ، ثمّ على تقدير كفاية المقتضي للجعل نقول : إنّ القلب في محلّه لأنّ المقتضي لكل من المتعارضين وإن لم يعلم من أدلّة التخيير إلا في الجملة على ما ذكره إلا أنّ المقتضى لكلّ منهما معلوم من حيث هو ؛ إذ لا مانع من جعلهما إلا التعارض ، فإذا شككنا في كونه مانعا فالأصل عدمه ، فيكون كلّ منهما مجعولا ؛ إذ نحن نعلم أنّه لو لا التعارض لجعل الشارع كلّا منهما ، فالمقتضي للعمل بالمرجوح موجود والمانع وهو اعتبار الرجحان في الراجح مشكوك والأصل عدمه.
ثمّ إنّ ما ذكره من أنّ المقتضى هو احتمال الإصابة لا نفس الإصابة وإلا لزم التناقض .. فيه : إنّه على تقدير كون المقتضي هو احتمال الإصابة أيضا (١) إذا كان أحدهما آكد في هذا الاحتمال وجب الأخذ به كما إذا كان المقتضي هو كاشفيّته ؛ إذ لو كان الكشف في أحدهما أكثر وجب الأخذ به ، فالأولى أن يقول لا نسلّم تعلق الغرض بإدراك الواجب حتى يجب الأخذ بما هو أقرب إليه ، ولعلّ مراده هذا وإن كانت العبارة قاصرة.
ثمّ إنّ السائل لم يجعل المقتضي نفس الإصابة حتى يلزم التناقض ، وكيف يعقل كون نفس الإصابة بهذا المعنى مقتضيا ، بل جعل المقتضي الطريقيّة والكاشفيّة ، ومعه لا يلزم التناقض كما لا يخفى.
فالتحقيق أنّ السائل يحتمل أنّ مقتضى كون الخبر ـ مثلا ـ معتبرا من باب الطريقيّة
__________________
(١) لا توجد كلمة «أيضا» في نسخة (د).