كونهما من المتعارضين ، مثل ما دلّ على وجوب الظهر يوم الجمعة ، مع ما دلّ على وجوب الجمعة ، فإنّ كلا منهما (١) لا ينفي الآخر ، ولو بالالتزام اللفظي ، وإنّما التعارض بينهما من جهة الإجماع على عدم وجوب صلاتين في يوم واحد ، ولا يكون الإجماع قرينة على إرادة التعيين من كلّ من الخبرين ، بأن يكون المراد من كل منهما أنّ الواجب الواحد الواقعي هو كذا ، وعلى فرضه لنا أن نفرض صورة لا يكون كذلك.
وبالجملة إذا لم يكن تناف بين المدلولين من حيث إنّهما مدلول ، وكان التنافي بين ذاتيهما من جهة أمر خارجي ، لا يكون قرينة على الإرادة من الكلام ليخرج عن التعريف مع أنّه داخل في المعرّف قطعا.
ومنه تعارض الأصلين من جهة العلم الإجمالي ، حيث إنّ الطهارة في أحد الإنائين مثلا لا تنافي الطهارة في الآخر ، فلا تنافي بين مدلولي الأصلين ، من حيث إنّهما مدلول ، إذ لا تثبت أصالة الطهارة في هذا الإناء أنّ الآخر نجس وبالعكس ، حتى يكون التنافي بين المدلولين إلا بالأصل المثبت ، ولا اعتبار به ، مع أنّهما متعارضان قطعا ، وهكذا إذا كان أحد الخبرين مثبتا لحكم ، والآخر لآخر ، وقام الإجماع أو الدليل العقلي على عدم ثبوتهما معا بحيث لم يكونا قرينة على إرادة نفي كلّ منهما من إثبات الآخر من اللفظ ، إلا أن يقال إنّ ذلك يرجع إلى المدلول الالتزامي الغير اللفظي والمراد من المدلول ذاته لا بوصف (٢) أنّه مدلول ، فكلّ من خبري الظهر والجمعة وإن لم يكن ناظرا إلى نفي الآخر بالدلالة اللفظيّة ، إلا أنّ نفي الآخر مدلول التزامي عقلي له بعد الإجماع المذكور ، وهو كاف في صدق التنافي بين المدلولين ، وهكذا في الأصلين ، فالمراد من تنافي المدلولين تنافي مقتضاهما ، وإن لم يكن المقتضي مدلولا لفظيّا.
ومن ذلك يظهر أنّ من عرّف التعارض بتنافي الدليلين في مقتضاهما ، ولو بالالتزام
__________________
(١) في النسخ : منها.
(٢) في نسخة (ب) : ذاته بوصف ...