العقلي ؛ كصاحب الفصول (١) ، أبعد من الإشكال المذكور ، إذ المقتضي أعم من أن يكون مدلولا لفظيّا أو لا ، فيشمل ما إذا كان التعارض بلحاظ أمر خارجي كالإجماع والعلم الإجمالي ؛ من غير إشكال.
وكيف كان فقد ظهر أنّه لا بدّ في صدق التعارض من ثبوت التنافي بين المدلولين ، ولو في مقتضاهما ، ولو بالالتزام العقلي ، بأن يكون أحدهما نافيا لما أثبته الآخر ، وإن لم يكن بالدلالة اللفظيّة ، فعلى هذا مجرّد العلم بكذب أحد الخبرين (٢) وعدم مطابقة مدلوله للواقع لا يكفي في صدق التعارض ، مثلا إذا دلّ خبر على وجوب غسل الجمعة ، وخبر آخر على وجوب الدعاء عند رؤية الهلال ، وعلم من الخارج أنّ أحد الخبرين (٣) كاذب أو أنّ أحد الحكمين مخالف للواقع ، من غير أن يكون هناك ملازمة عقليّة أو شرعيّة بين ثبوت أحدهما ونفي الآخر ، لا يكونان من المتعارضين ، لعدم التنافي بين المدلولين ، ولو في مقتضاهما ، غاية الأمر العلم بعدم مطابقة أحدهما للواقع ، وإلا فلا ينفي كلّ منهما الآخر ، فلا تجري عليهما أحكام التعارض.
والفرق بين هذا المثال ومثال الظهر والجمعة ، والأصلين المتعارضين واضح ، إذ بعد الإجماع على عدم وجوب صلاتين في يوم واحد يتنافى مقتضى الخبرين ، وكذا بعد العلم الإجمالي بنجاسة أحد الإنائين يتنافى مقتضى الأصلين ، ويكون كلّ منهما نافيا لما أثبته الآخر.
والحاصل : إنّه يعتبر التنافي بين المدلولين في حدّ نفسهما ، ولو بلحاظ أمر خارجي من إجماع أو علم إجمالي ، ولا يكفي التنافي في علم المكلّف ، ففي الخبرين اللذين لا ربط بينهما ، بل كلّ منهما مثبت يحكم (٤) في موضوع مغاير للآخر ، وعلم كذب أحدهما يعمل بهما إن لم يلزم منه طرح تكليف منجّز معلوم ، وإلا فيجب طرحهما ، والعمل بالاحتياط فتدبر!
__________________
(١) الفصول الغروية : ص ٤٢٠.
(٢) في نسخة (ب) : المخبرين.
(٣) في نسخة (ب) : المخبرين.
(٤) في نسخة (ب) : لحكم ، وهو الأصح.