ثمّ إنّ عموم التعليل لا دخل له بمسألة الجواب العام عن السؤال الخاص ، فذكر الفاء وكون العموم حكميّا إنّما يمنعان عن حمل الجواب على العموم في تلك المسألة ، لا مسألة عموم العلّة ، مثلا إذا قال القائل وقع في بئرنا إنسان فقال في الجواب فانزح سبعين ، أو قال انزح سبعين للإنسان ، يمكن دعوى عدم الحمل على العموم إلا بترك الاستفصال (١) ، ومسألتنا ليست من هذا القبيل كما هو واضح.
ثمّ إنّ هذا القائل لو استدلّ على جبر الشهرة للخبر الضعيف بأنّ قوله «خذ بما اشتهر» يشمل الخبر المعارض بخبر آخر سواء كان معتبرا أو لا ، وإذا وجب الأخذ بالخبر الغير المعتبر المعارض بآخر بمقتضى هذا الخبر ، فبمقتضى عدم القول بالفصل تثبت حجيّة الخبر الضعيف الغير المعارض بمثله أيضا ، بل هو أولى بالحجيّة كما لا يخفى! كان أولى (٢) ممّا ذكره ، مع الإغماض عمّا ذكرنا من أنّ المورد خصوص الخبرين المعتبرين وأنّ الكلام بعد الفراغ عن اعتبارهما في حدّ نفسهما.
وبالجملة : لا وجه للاستناد إلى المقبولة أو المرفوعة في إثبات حجيّة الخبر الضعيف المنجبر بالشهرة ، ولو كانت روايته بأن كانت استناديّة فضلا عمّا لو كانت تطابقيّة فتوائيّة كما هو مقصود المستدل.
نعم ؛ يمكن إثبات حجيّة القسم الأول بآية النبأ (٣) ، حيث إنّ عمل المشهور بالخبر والاستناد إليه نوع تبيّن له ، بناء على أنّ المراد أعمّ من التبين الظنّي والقطعي ، وتمام الكلام في محلّه.
ثمّ إنّ مقتضى ما ذكره هذا القائل إمكان إثبات كون الشهرة الفتوائيّة موهنة للخبر المعتبر في حدّ نفسه ، وإن لم يكن له معارض ؛ لقوله «ودع الشاذ النادر ..» ، ولا قائل به فإنّ مجرّد الشهرة على الخلاف لا توجب عدم الحجيّة ، نعم بعض أفرادها ربّما
__________________
(١) الظاهر أنّ صحّة العبارة تتم ـ بنحو نفي النفي ـ بقوله : لا يمكن دعوى .. ، أو بحذف أداة الاستثناء.
(٢) هذه الجملة واقعة في جواب «لو» من قوله : لو استدل ...
(٣) وهي قوله تعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ ..) الحجرات ـ ٦ ـ ، وقد ناقش الشيخ في فرائده هذا الاحتمال من أعميّة التبين من التبين الظني والقطعي.