سواء كان هناك أصول عمليّة تعبديّة أو لا ، لكن بعد بيان أنّ (١) الواقع كذا وحكم الشارع بوجوب تصديق المخبر مثلا يرتفع الشك الذي هو موضوع الأصل جعلا ، فترتفع أحكامه ؛ فلو فرضنا عدم جعل الشارع للأصول أصلا صحّ له الحكم بوجوب تصديق العادل وترتيب الأثر على مؤدّى قوله ، لكنّ لازم (٢) هذا المعنى وجوب رفع اليد عنها إذا كانت مجعولة ، لأنّ معنى قوله «إن شككت فابن على كذا» أنّه يجب البناء عليه ما دمت شاكّا أنّ في الواقع ما ذا؟ فإذا أخبر المخبر بأنّه كذا وقال الشارع صدّقه واحكم بأنّه كذا ، فكأنّه لا يبقى شكّ حتى يعمل (٣) بمقتضاه ؛ فيكون الدليل الاجتهادي شارحا قهريّا للأصول.
وبالجملة ؛ لمّا كان لسان الأدلّة إدانة الواقع ولسان الأصول بيان حكم العمل عند الشك في الواقع كانت بمنزلة المفسّر لها ، ثمّ إنّ تصرف الحاكم في المحكوم قد يكون برفع الحكم عن بعض أفراد موضوعه كما في أدلة الحرج ، وقد يكون بتنزيل موضوعه منزلة العدم كما في الأدلّة والأصول ، وأيضا قد يكون بتضييق دائرته ، وقد يكون بتوسيعها ، إمّا في اللب فقط أو في اللفظ أيضا ؛ على الوجهين السابقين في التنزيل الصريح.
فالأول كالأدلّة والأصول والثاني كما إذا قال لا صلاة إلا بوضوء (٤) وقال يجوز الصلاة بالتيمم عند عدم الماء ناظرا بسياقه إلى الأول ، وكاستصحاب الطهارة بالنسبة إلى قوله «لا صلاة إلا بطهور» (٥) بناء على كون مؤدّى الاستصحاب حكما شرعيّا ظاهريّا لا عذريّا ، بحيث يكون مجزيا عند كشف الخلاف فإنّه على هذا يتصرف في قوله «لا صلاة إلا بطهور» بتعميمه لبّا أو لفظا إلى الطهارة الاستصحابيّة وأيضا قد يكون الحاكم متصرفا في نقل الدليل المحكوم ، وقد يكون متصرفا في مقتضاه ،
__________________
(١) لا توجد هذه الكلمة «أنّ» في (ب).
(٢) لا توجد هذه الكلمة «لازم» في نسخة (ب).
(٣) كلمة «يعمل» سقطت من النسخة (ب).
(٤) في نسخة (ب) : إلا بالوضوء.
(٥) الفقيه : ١ / ٢٢ حديث ٦٧ ، التهذيب : ٢ / ١٤٠ حديث ٥٤٥.