كما عرفت ، ولا داعي إلى التخصيص بأحدهما كما يظهر من بيانه.
ودعوى قلّة صورة المخالفة بالتباين أيضا ممنوعة ، لأنّ القلّة إنّما هي في خصوص ما بأيدينا من الأخبار ، حيث إنّ العلماء السابقين كالصدوق والكليني وغيرهما أخرجوا الأخبار المخالفة للكتاب ، ونقّحوا كتبهم عنها ، وإلا فهي كانت كثيرة في زمان صدور هذه الأخبار ، والمدار عليه لا على زماننا كما هو واضح ، هذا مع أنّ القلّة لا توجب إشكالا ، إذ الغرض إذا كان بيان أنواع المرجّحات فلا يتفاوت الحال بين قلّة موردها وكثرته ؛ خصوصا إذا جعلنا ذلك من باب المثال ، وأنّ الغرض بيان الترجيح بمثل موافقة الكتاب ، فيشمل الترجيح بالسنّة ، وبما علم من الأخبار الأخر ، بل بمطلق ما يكون دليلا معتبرا مثل الكتاب.
وأمّا ما ورد من الروايات في ردّ الخبر الوارد في الجبر والتفويض ، فيمكن بأن يدعى أنّه ليس ممّا نحن فيه ؛ لأنّ المخالفة فيه للكتاب ليست بالعموم بل بالتباين ، غاية الأمر أنّ الكتاب ظاهر في نفي الجبر والتفويض ، وقد عرفت أنّ صورة التباين مشمولة لأخبار العرض مطلقا ، سواء كان الكتاب أظهر ، أو الخبر (أو تساويا) (١) ، فلا تكون هذه الروايات قرينة على شمول الأخبار للعام المطلق ، كيف ولو كان كذلك لزم طرح الخبر المخالف للكتاب بالعموم المطلق ولو لم يكن له معارض ، كما هو المفروض فيما دلّ على الجبر من الأخبار ، مع أنّ مقتضى القاعدة تخصيص الكتاب به ، فنحن نريد إثبات كون أخبار الترجيح بالموافقة شاملة للعام المطلق أيضا ، لا أخبار العرض ؛ إذ لا إشكال في اختصاصها بغير صورة كون الخبر المخالف أخص ؛ لأنّ المفروض والمعلوم جواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد إذا لم يكن له معارض ، إلا أن تنزّل تلك الأخبار أيضا على خصوص صورة التعارض ، وهو بعيد.
وبالجملة ؛ فهنا طائفتان من الأخبار :
إحداهما : أخبار العرض الدالّة على طرح المخالف للكتاب مطلقا ، ولو مع عدم المعارض ، وهذه لا بدّ من تخصيصها بصورة المباينة ؛ لأنّ تخصيص الكتاب بالخبر
__________________
(١) هكذا وردت في نسخة (د) وكانت في نسخة الأصل هكذا : إرشاديا.