بالعموم المطلق فأخبار الترجيح أيضا غير شاملة لها ، لاتحاد المساق.
أقول : في هذا الكلام أنظار :
أحدها : أنّه لا وجه لدعوى عدم تصور القوة والرجحان في الخبر الموافق إذا كان نصّا ، فإنّ ترجيح المضمون ممكن قطعا ، وما ذكره من الابتلاء بالخبر المخالف لا يضرّ بعد عدم معلوميّة وجوب الأخذ به ، مع أنّ النص يمكن أن لا يراد منه بيان الحكم الواقعي (لمصلحة من المصالح كالتقيّة ، فيكون الكتاب مقويا لدلالته على الحكم الواقعي) (١) ، وأيضا يمكن تقوية سنده ، وعدم السنخيّة غير مضرّ كما لا يخفى.
وبالجملة ؛ حصول القوّة للخبر بالموافقة وجداني لا يحتاج إلى بيان.
الثاني : على القول بالتوقف في مسألة جواز تخصيص الكتاب لا معنى للترجيح بالأمر التعبدي ؛ لأنّ المفروض أنّه يتوقّف عن العمل بالكتاب وبالخبر المخالف ؛ فأين الأمر التعبدي حتى يكون مرجّحا؟ بل لو قيل بكون الكتاب حينئذ مقوّيا ؛ لأنّه مفيد للظن النوعي بالواقع ، وإن لم يكن حجة من جهة احتمال جواز التخصيص واحتمال عدمه كان أولى وأسهل ؛ فالترجيح حينئذ إن كان فهو بما يوجب القوّة ، وإلا فليس شيء تعبّدي ؛ لأنّ التعبد فرع الحجيّة ، وهي مشكوكة (٢).
ويمكن أن يقال : إذا توقفنا عن العمل بالكتاب والخبر المخالف ، فيبقى الخبر الموافق سليما فتأمّل! ثمّ لا معنى للرجوع إلى التخيير فإنّه لو أخذ بالخبر المخالف يلزم التخصيص الذي توقف عن جوازه ، فلا يمكن التخيير.
والحق أنّه بناء على التوقف في مسألة جواز التخصيص يجب الأخذ بالخبر الموافق : إمّا لأنّ المخالف إذا سقط بسبب المخالفة الموجبة للتوقف فيبقى الموافق حجّة بلا معارض معتبر ، وإمّا لأنّ الكتاب وإن لم يكن حجّة في الظاهر من جهة التوقف ، لا أنّه (٣) يوجب تقوية الموافق ، وهذا هو الأقوى ، وعلى أي حال فلا يجري
__________________
(١) ما بين القوسين لا يوجد في نسخة (د).
(٢) جاءت العبارة في نسخة (د) هكذا : لأنّ التعبد فرع وهي مشكوك الحجيّة.
(٣) في نسخة (د) : إلا أنّه.