بإثبات موضوعه ، من غير منافاة ، ومن ذلك ظهر أنّه يمكن أن يكون لحاكم واحد محكومان يرفع موضوع أحدهما ويثبت موضوع الآخر.
ثمّ إنّ الحكومة قد تكون بين الدليلين الاجتهاديين كأدلة الجرح وأدلّة التكاليف وقد تكون بين الأصلين كالاستصحاب بالنسبة إلى أصل البراءة والاحتياط ، وقد تكون بين الأصل والدليل مع كون الحاكم هو الدليل ؛ وهو واضح ، وقد يكون العكس ، وهذا مع عدم المنافاة بينهما كثيرا ، كالأصول المثبتة لموضوعات الأدلّة.
وأمّا مع المعارضة والمنافاة فكما إذا فرضنا أنّه قال : إذا شككت في شروط الصلاة فعليك بالاحتياط ، ناظرا أنّه لا يعمل فيها بمثل البيّنة ونحوها من الطرق المثبتة لها ، فإنّ قاعدة الاشتغال حينئذ غير حاكمة على ذلك الطرف ، ومبينة لرفع الحكم عنها في موارد تلك الشروط ، وكاستصحاب الطهارة بالنسبة إلى قوله «لا صلاة إلا بطهور» (١) بالنسبة إلى صحة الصلاة ، بناء على كون مؤدّى الاستصحاب حكما شرعيّا ظاهريّا ، بحيث يستلزم الإجزاء عند التخلّف (٢) ، فإنّ مقتضى قوله «لا صلاة ...» بطلان الصلاة بمقتضى الشرطيّة ، ومقتضى الاستصحاب صحّتها على البناء المذكور ، والاستصحاب حاكم عليه (٣) ، إذ يحكم بالصحّة ، وأمّا بالنسبة إلى جواز الدخول في الصلاة بناء على عدم الإجزاء وكونه حكما عذريّا ورخصة في مقام العمل بالاكتفاء ما لم ينكشف الخلاف ، فلا يكون المعارض للاستصحاب حينئذ إلا قاعدة الاشتغال الحاكمة بوجوب إحراز الشرط ، إذ قوله «لا صلاة إلا بطهور» (٤) لا يدل على وجوب إحراز الشرط ، وإنّما يدلّ على أنّ الطهارة شرط وأنّ الصلاة بدونها باطلة ، فلا يكون من تقديم الاستصحاب على الدليل الاجتهادي ، وكذا الكلام بالنسبة إلى استصحاب سائر الشروط ، وأدلّة شرطيّتها.
ومن هذا الباب ما ذكره بعضهم ـ على ما حكي عنه ـ من تقديم قاعدة الفراغ ولو
__________________
(١) الفقيه : ١ / ٢٢ حديث ٦٧.
(٢) وهذا بناء على إجزاء الحكم الظاهري عن الحكم الواقعي.
(٣) باعتبار أنّ مفاد لا صلاة عدم تحققها مع عدم إحراز الطهارة ، ومفاد الاستصحاب هو أنّ الطهارة محرزة وإن كان الإحراز بالتعبد ، فيكون بيانا متقدما على ذلك الدليل حينئذ.
(٤) الفقيه : ١ / ٢٢ حديث ٦٧.