سبحانه في المسابقة إلى الرغبة في الجنّة والرضوان ، يعني بادروا إلى صالح الأعمال والتوبة وطلب المغفرة (وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) فسابقوا إلى جنّة هذا وصفها. وقد ذكر سبحانه عرضها ولم يذكر طولها لأن هذا العرض الهائل لا بدّ له من طول أعظم ، ولأن الطول قد يكون بعرض قليل ولا يصح عرض كبير بطول أصغر منه ،! ولأن عرضها هكذا ، فإن طولها لا يعلمه غير خالقها جلّ وعلا ، فسبحانه أين خلقها وأين وضعها بهذه السعة العجيبة؟ وقد (أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا) أي هيّئت لهم لأنهم صدقوا (بِاللهِ وَرُسُلِهِ) وآمنوا بما جاء به رسله الكرام (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) أي أنها تفضّل منه تعالى على المؤمنين وإن كانوا لا يستحقونها كما هي فقد أعطاهم منها ما يستحقونه مع زيادة تفضليّة (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) أي هو سبحانه صاحب الإحسان الجسيم إلى عباده المطيعين في الآخرة. ثم انتقل إلى معنى آخر يبيّن عظمته جلّ وعلا فقال : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ) كالقحط وقلة المطر ونقص الإنتاج وغيره (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) من مرض أو غيره ، ما من شيء من ذلك (إِلَّا فِي كِتابٍ) أي أنه مثبت مذكور في اللوح المحفوظ (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) يعني من قبل أن نخلقها ونوجدها ليستدل ملائكته وسائر عباده أنه سبحانه عالم لذاته يعرف جميع الأشياء بمجملها ومفصّلها (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) أي سهل هيّن بالرغم من كثرته. وقد أخبر بذلك وبيّن أنه عالم بما كان وبما يكون (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ) أي حتى لا تحزنوا على ما لا تصيبونه من نعيم الدنيا وملذّاتها (وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) أي لا تسرّوا كثيرا بما منحكم الله من عطاءاتها ، ذلك أنه تعالى ضمن لعبده الصالح عوض ما فاته منها ، وكلّفه بالشكر على ما ناله فيها ، فيصرف تفكيره لما ينال به رضا الله تعالى في الآخرة الباقية الدائمة (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) أي يكره كل متكبّر يتعاظم على الناس. و (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) بأداء ما كلّفوا به من الواجبات (وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ)