نزلت في حاطب بن أبي بلتعة الذي ذكرنا ملخّص قصّته قريبا ، وذلك أنه كتب لقريش ومشركي مكّة يخبرهم بتوجّه رسول الله (ص) إلى مكة لفتحها فليأخذوا حذرهم ، وسلّم الكتاب إلى امرأة ذاهبة إلى مكة وأعطاها عشرة دنانير لتوصل الكتاب إلى أهل مكة. ونزل جبرائيل عليهالسلام فأخبر محمدا صلىاللهعليهوآله بخبر الكتاب فبعث عليّا والزبير والمقداد وكانوا كلهم فرسانا ، وقال لهم : ألحقوا بالمرأة فإن الكتاب معها وستدركونها مع ظعينة في روضة خاخ. فمضوا وأدركوها في ذلك المكان فطلبوا الكتاب منها فأنكرت وحلفت أنها لا تحمل كتابا ، فنحّوها عن القافلة وفتّشوها فلم يجدوا الكتاب فهمّوا بالرجوع فقال عليّ عليهالسلام : والله ما كذبنا ولا كذّبنا ، ثم سلّ سيفه وقال : أخرجي الكتاب وإلّا والله لأضربنّ عنقك. فلمّا رأت الجدّ أخرجته من ذؤابة شعرها فأخذوه منها وعادوا به إلى رسول الله (ص) فاستحضر حاطبا فاعترف وأقسم قائلا : والله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك ولا أجبتهم منذ فارقتهم ، ولكنّ أهلي بين ظهرانيهم فخشيت على أهلي فأردت أن أتّخذ عندهم يدا. فصدّقه رسول الله (ص) وعذره.
وفي هذه الآيات الكريمة خاطب سبحانه المؤمنين ناهيا إياهم عن تولّي الكافرين وموادّتهم فأنتم (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) تحبّونهم وتتقربون منهم وتنصحونهم. وقيل معناه هنا : تلقون إليهم بأخبار النبيّ (ص) ، (وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِ) أي القرآن الكريم والدّين الإسلامي ، وهم (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) من مكة ومن دياركم (أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ) أي لأنكم تؤمنون وتصدّقون ، وكراهة أن تؤمنوا (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي) أي إذا كان هدفكم في خروجكم وهجرتكم الجهاد وطلب رضاي فأعطوا خروجكم حقّه من معاداتهم ولا توادّوهم ولا تتولّوهم و (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) أي تعرّفونهم مودّتكم لهم سرّا (وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ) لأني لا يخفى عليّ شيء وأنا