الحكمة والمصلحة. و (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً) يعني أرسل في العرب الذي هم أمّة لا تعرف القراءة ولا الكتابة بأكثريّتها لأنها أمّية ولم يبعث فيهم نبيّ قبله. وقيل معناها : بعث في أهل مكة لأنها تسمّى أمّ القرى ، فهو رسول (مِنْهُمْ) يعني أن محمدا (ص) جنسه من جنسهم ونسبه من نسبهم ، فهو رسول من أنفسهم كما قال سبحانه في غير هذا المكان. وقد اختاره عزوجل أميّا لئلا يظنّوا أنه قد استفاد من الكتب التي تلاها والحكم التي قرأها ، وليكونون إخباره لهم بشأن الأمم السابقة معجزا ، وهو (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ) أي يقرأها عليهم وهي آيات الله أو آيات القرآن المشتملة على الحلال والحرام وسائر الأحكام (وَيُزَكِّيهِمْ) أي يطهّرهم من الذنوب ومن الكفر (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ) أي القرآن (وَالْحِكْمَةَ) وهي الشرائع كافة وتشمل الكتاب والسنّة (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ) أي من قبل بعثه فيهم (لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي في انحراف عن الحق وانصراف عن الدّين الحق (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ) أي ليعلّم آخرين من المؤمنين (لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) وهم المسلمون من بعد عهد صحابته (ص) إلى يوم القيامة. وقيل هم غير العرب من الفرس وغيرهم من التّرك. وروي أن النبيّ (ص) قرأ هذه الآية فقيل له : من هؤلاء؟ فوضع يده على كتف سلمان وقال : لو كان الإيمان في الثريّا لنالته رجال من هؤلاء (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أي الغالب الذي تجري الأمور على يده وفق الحكمة والتدبير (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ) أي النبوّة التي اختصّ بها رسوله الكريم (ص) ، (يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) يعني يعطيه لمن يريد وبحسب ما يراه من الصلاح وتحمّل الرسالة (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) أي هو سبحانه ذو المنّ الكثير على خلقه بأن أرسل لهم محمدا (ص).
* * *
(مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً