واشكروه على نعمه وأنتم في أعمالكم وفي تجاراتكم ، وقد روي عن النبيّ (ص) قوله : من ذكر الله في السوق مخلصا عند غفلة الناس وشغلهم بما فيه ، كتب له ألف حسنة ، ويغفر الله له يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر. وقيل إن الذّكر المطلوب هو التفكّر في آيات الله ومخلوقاته وعظمته. وقد قيل : تفكّر ساعة خير من عبادة سنة فاذكروه سبحانه (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) يعني لتفوزوا برضاه ولتنالوا الثواب الجزيل (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً) إذا نظروا بيعا وشراء أو ما يلهيهم ويلفت أنظارهم من أعمال الباطل (انْفَضُّوا إِلَيْها) يعني تفرّقوا عنك يا محمد وانصرفوا إلى التجارة ، فإن الضمير قد رجع إلى التجارة دون اللهو لأنها هي الأهم عندهم ولأنهم يرون أن الكسب يوصل إلى النعيم ، وإلى اللهو وغيره من متع الدنيا (وَتَرَكُوكَ قائِماً) إي تركوك قائما على المنبر تخطب ، وقيل تركوك قائما في الصلاة ، والأول أصح (قُلْ) يا محمد لهم : (ما عِنْدَ اللهِ) من الأجر والثواب والنعيم جزاء على سماع خطبة النبيّ (ص) (خَيْرٌ) لكم وأكثر نفعا (مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ) التي تبتغون ربحها (وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) لأنه موفّر رزقه للطائع والعاصي ، وهو يرزقكم حتى إذا بقيتم مع رسول الله (ص) واستمعتم الخطبة وعطّلتم تجارتكم.
أما سبب نزولها فقد قال جابر بن عبد الله : أقبلت عير ونحن نصلّي مع رسول الله (ص) الجمعة ، فانفضّ الناس إليها فما بقي غير اثني عشر رجلا أنا فيهم ، فنزلت الآية : وإذا رأوا تجارة أو لهوا. وقال غيره أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر ، وقدم دحية بن خليفة بتجارة زيت من الشام والنبيّ (ص) يخطب يوم الجمعة ، فلمّا رأوه قاموا إليه خشية أن يسبقوا إليه ، فلم يبق مع النبيّ (ص) إلّا رهط فنزلت الآية فقال (ص): والذي نفسي بيده لو تتابعتم حتى لا يبقى أحد منكم لسال بكم الوادي نارا. وروي السبب بصور مشابهة لا حاجة لتكرارها ، والله تعالى أعلم.
* * *