جاء به محمد (ص) حين ينكشف لهم أمر النبوّة وما جاءت به ، وأمر العبادة والخلافة والبعث والجنّة والنار. وقد قال تعالى ذلك مهدّدا ومتوعدا ، ثم أكّد توعّده وتهديده بقوله : (ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) اي حقّا سيعرفون ذلك ويرون ما يصيبهم يوم القيامة من العذاب. ثم أخذ سبحانه يبيّن للناس قدرته واستدلّ على صحة ذلك القول بقوله عزّ من قائل فيما يلي :
* * *
(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (٦) وَالْجِبالَ أَوْتاداً (٧) وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً (٨) وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (٩) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً (١١) وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (١٢) وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً (١٣) وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً (١٤) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً (١٥) وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً (١٦))
٦ ـ ١٦ ـ (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً ، وَالْجِبالَ أَوْتاداً ...) أي أننا قادرون على البعث كما أننا قدرنا على الخلق الأول فنحن خلقنا الأرض وجعلناها مهادا : أي وطاء وبساطا مهيأ للتصرّف بسهولة وبدون أذية لكم (وَ) جعلنا (الْجِبالَ أَوْتاداً) تمسك الأرض حتى لا تميد بأهلها (وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً) ذكرانا وإناثا من أجل التناسل وبقاء النوع وبحيث يستمتع بعضكم ببعض ، وقيل : خلقناكم أشكالا متشابهة ، كما قيل جعلناكم أصنافا من أبيض وأسود وصغير وكبير ، والأول أصح لأن أكثر المخلوقات تتوالد بالتلقيح (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) أي جعلنا النوم لكم راحة واستقرارا لأجسادكم ، وقيل يعني لم نجعله موتا ولا خروجا من الحياة والإدراك ، ولكنه هدوء ودعة وقطع لأعمالكم ترتاح أثناءه أجسامكم (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً) أي سترة تستترون بظلامه كما يستر أحدكم جسمه