وبعد ذلك كان رسول الله (ص) يكرمه إذا رآه ويقول له : مرحبا بمن عاتبني فيه ربيّ يقول : هل لك حاجة فأقضيها؟
أما السيد المرتضى قدّس الله روحه فقال : ليس في ظاهر الآية دلالة على توجهها الى النبيّ (ص) بل هو خبر محض لم يصرّح بالمخبر عنه. وفيها ما يدل على أن المعنيّ به غيره لأن العبوس ليس من صفات النبيّ (ص) مع الأعداء المباينين فضلا عن المؤمنين المسترشدين. ثم الوصف بأنه يتصدّى للأغنياء ، ويتلهّى عن الفقراء لا يشبه أخلاقه الكريمة ، ويؤيد هذا القول قوله سبحانه في وصفه (ص) : وإنك لعلى خلق عظيم ، وقوله : (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ). فالظاهر أن قوله ((عَبَسَ وَتَوَلَّى)) المراد به غيره.
وقد روي عن الصادق عليهالسلام : أنها نزلت في رجل من بني أميّة كان عند النبيّ (ص) فجاء ابن أم مكتوم فلمّا رآه تقذّر منه وجمع نفسه وعبس وأعرض بوجهه عنه فحكى الله سبحانه ذلك وأنكره عليه.
ومما لا شك فيه أن النبي (ص) أعلى من ذلك خلقا ، وأن تألّف المؤمن وزيادة فائدته أولى من تأليف الكافر رغبة في إيمانه ، وقد روي عن الصادق عليهالسلام أيضا أنه قال : كان رسول الله (ص) إذا رأى عبد الله بن أم مكتوم قال : مرحبا مرحبا ، لا والله لا يعاتبني الله فيك أبدا وكان يصنع به من اللّطف حتى كان يكفّ عن النبيّ (ص) مما كان يفعل به. والله أعلم بما قال.
وعلى كل حال (عبس) يعني قبض وجهه وبسر (وَتَوَلَّى) أعرض وأمال وجهه (أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) يعني لأن جاءه ذلك الأعمى (وَما يُدْرِيكَ) ومن عرّفك (لَعَلَّهُ) لعلّ هذا الأعمى (يَزَّكَّى) يتطهّر بالطاعة والعمل الصالح بفضل ما يتعلّمه منك (أَوْ يَذَّكَّرُ) يتذكّر ويعتبر بمواعظك وبما تتلوه عليه من قرآن (فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) فيستفيد من عبرته